فى اصطلاحات المناطقة والمتفلسفة والمتكلمين وأصحاب علم الأصول. ونحسّ فى وضوح أنه يقف مع البصريين مناضلا مدافعا ، مما يؤكد نزعة بصرية قوية فى مباحثه وكأنه كان استهلالا لانصراف البغداديين عن النزعة الكوفية إلى النزعة البصرية التى سادت بعده إلا قليلا.
وكتاب الجمل أفرده لقواعد النحو والصرف ، وحظى بشهرة مدوية لدقته ووضوح عبارته واستيعابه لدقائق النحو البصرى التى يحتاجها الناشئة ، وقد ألحق به فصلا عن الخط والإملاء. وهو فيه بعامة يتبع نظام النحو البصرى ، لأنه فعلا النظام السديد ، الذى أحكم بناؤه ، ومع ذلك نراه يستعير من الكوفيين بعض مصطلحاتهم ، فقد سمّى ـ متابعا لهم ـ نائب الفاعل باسم ما لم يسمّ فاعله ، وسمى الصفة النعت والشركة عطف النسق.
وإذا أخذنا نتعقب آراءه التى تدور فى كتب النحاة وجدناه يتابع البصريين غالبا ، وقد يتابع الكوفيين على نحو ذهابه مذهبهم فى أن كأنّ إذا كان خبرها اسما جامدا كانت للتشبيه مثل كأن زيدا أسد ، وإذا كان مشتقّا كانت للشك بمنزلة ظننت وتوهمت مثل كأن زيدا قائم ، وقد تأتى للتحقيق مثل قول الحارث ابن خالد المخزومى :
فأصبح بطن مكة مقشعرّا |
|
كأن الأرض ليس بها هشام |
وكان البصريون يذهبون إلى أنها للتشبيه دائما ولا معنى لها سواه (١). وكان يكثر من التوقف بإزاء آراء الكوفيين والبصريين جميعا محاولا استنباط رأى جديد ، من ذلك أن سيبويه كان يذهب إلى أن سوى ظرف مكان دائما ، وذهب الكوفيون إلى أنها ظرف متمكن يستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا ، أما هو فذهب إلى أنها ليست ظرفا ألبتة وأنها تقع فاعلا فى مثل جاء سواك ومفعولا به فى مثل رأيت سواك ، وبدلا أو استثناء فى مثل ما جاءنى أحد سواك أى أنه يجوز فيها حينئذ الرفع على البدلية والنصب على الاستثناء (٢). وكان جمهور البصريين يذهب إلى أنه إذا وصلت إن وأخواتها بما بطل عملها ما عدا ليت ،
__________________
(١) المغنى ص ٢٠٩ والهمع ١ / ١٣٣.
(٢) المغنى ص ١٥١ والهمع ١ / ٢٠٢.