مجاهد تلميذ ثعلب وشيخ القرّاء فى عصره. ولم يخالط الكوفيين والبغداديين والبصريين فى حلقات من استظهروا مذاهبهم فحسب ، فقد مضى يخالط سابقيهم فى كتاباتهم متمثلا ما كتبه سيبويه وغير سيبويه من مصنفات مختلفة. ويظهر أنه اتسع بثقافته ، فشملت كتابات المتكلمين ، إذ يقول مترجموه إنه كان يعتنق مذهب المعتزلة ، والاعتزال من قديم يجرّ إلى قراءة المنطق والفلسفة ، وأغلب الظن أنه كان شيعيّا ، لغلبة التشيع حينئذ على أهل العراق وفارس.
ونظن ظنّا أنه قعد للتدريس والإملاء فى مساجد بغداد مبكرا ، وكان فيه حب للرحلة ، فتنقل يملى ويدرس للطلاب فى «عسكر مكرم» وبعض مدن الموصل ، ويدخل حلب فى سنة ٣٤١ ومعه تلميذه ابن جنى الذى شغف به حبّا ، ويتحوّل إلى بعض مدن الشام ، ويعود إلى بغداد سنة ٣٤٦ وتطير شهرته ، فيستدعيه إلى شيراز عضد الدولة البويهى ، ويأخذ عنه هو وبعض أفراد أسرته ، ويفتخر عضد الدولة بذلك حتى ليقول إنه غلامه. ويظل عنده ، حتى إذا دخلت بغداد فى حوزته عاد إليها ثانية وظل بها إلى وفاته سنة ٣٧٧ للهجرة. واتبع عادة هى أن ينسب إملاءاته فى كل بلدة إليها ، وهى نسبة تعيّن رحلاته وأماكن دراساته ، فمن ذلك المسائل العسكرية نسبة إلى عسكر مكرم ، والمسائل القصرية نسبة إلى «قصر ابن هبيرة» بنواحى الكوفة ، والمسائل الحلبية ، والمسائل الدمشقية والمسائل البصرية والمسائل البغدادية والمسائل الكرمانية نسبة إلى كرمان فى إيران والمسائل الشيرازية. ومن مصنفاته الإيضاح والتكملة والعوامل المائة والمقصور والممدود ، ومن أهمها كتاب الحجة فى القراءات السبع ، وفيه يحتج لكل قراءة من تلك القراءات من اللغة والشعر ناثرا آراء النحاة البصريين والكوفيين ، منتصرا تارة للأولين وتارة للأخيرين مع نزعة قوية فيه إلى الأخذ بالآراء البصرية مما جعل الزبيدى فى طبقاته وابن النديم فى فهرسته يسلكانه فى البصريين ، ويقول أبو حيان فيه : «أبو على أشد تفردا بالكتاب (كتاب سيبويه) وأشد إكبابا عليه وأبعد من كل ما عداه من علم الكوفيين» (١). وسنرى أنه كان ممن خلط بين آراء المدرستين فى
__________________
(١) الإمتاع والمؤانسة لأبى حيان (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ١ / ١٣١.