وإذا أخذنا نتعقب آراءه وجدناه يمثل الطراز البغدادى الذى رأيناه عند أبى على الفارسى وابن جنى ، فهو فى جمهور آرائه يتفق ونحاة البصرة الذين نهجوا علم النحو ووطّأوا الطريق إلى شعبه الكثيرة ، ومن حين إلى حين يأخذ بآراء الكوفيين أو بآراء أبى على أو ابن جنى ، وقد ينفرد بآراء خاصة به لم يسبقه أحد من النحاة إليها. ويكفى أن نرجع إلى المفصل فسنراه يضع كتاب سيبويه نصب عينيه ، حتى ليصبح ملخصا له أحيانا على نحو ما يلقانا فى باب المفعول المطلق وصوره الكثيرة ، وغالبا ما يتابعه فى آرائه النحوية ، ونضرب لذلك بعض الأمثلة من القسم الأول من كتابه ومن صحفه الأولى التى شرحها ابن يعيش ، فمن ذلك متابعته له فى أن الفعل الثانى هو العامل فى باب التنازع (١) وأن مثل «هل زيد قام» تعرب فيه زيد فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور لا مبتدأ كما ذهب الكوفيون (٢) ، وكذلك متلوّ إن الشرطية فى مثل : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(٣). واختار رأيه فى أن متلو لو لا فى مثل «لولا على لسافرت» مبتدأ خبره محذوف (٤) وفى أن خبر إن وأخواتها مرفوع بها لا بما كان مرتفعا به قبل دخول إن كما زعم الكوفيون (٥) ، وفى أن الناصب للمنادى ما ينوب عنه حرف النداء وهو الفعل مثل أريد وأدعو (٦). وجعله تشرّب روحه للمذهب البصرى يعبّر عن البصريين كما عبر عنهم أبو على الفارسى وابن جنى باسم أصحابه ، فهو فى أغلب أحواله إما أن ينزع عن قوسهم جميعا ، وإما أن ينزع عن قوس بعضهم كأخذه برأى الخليل فى أن الفاعل أصل المرفوعات والمبتدأ محمول عليه ، وكان سيبويه كما أسلفنا منذ قليل يذهب إلى العكس (٧) ، وكأخذه برأى الأخفش فى أن الكاف تأتى فى النثر كثيرا مرادفة لمثل ، فتعرب إعرابها وتخرج عن حرفيتها ، وبذلك جوّزا أن تعرب فى مثل «زيد كالأسد» خبر لزيد مضاف للأسد (٨) ، وكأخذه برأى المبرد فى أن لفظ «الآن» مبنى لأنه استعمل من أول وضعه بالألف واللام ، ولم يستعمل نكرة (٩) ، وكأخذه
__________________
(١) انظر ابن يعيش على المفصل ١ / ٧٧.
(٢) ابن يعيش على المفصل ١ / ٨١.
(٣) ابن يعيش على المفصل ١ / ٨٢.
(٤) ابن يعيش على المفصل ١ / ٩٥.
(٥) ابن يعيش على المفصل ١ / ١٠١.
(٦) ابن يعيش على المفصل ١ / ١٢٧.
(٧) ابن يعيش على المفصل ١ / ٧١ وقابل بالهمع ١ / ٩٣.
(٨) ابن يعيش على المفصل ٨ / ٤٢.
(٩) ابن يعيش ٤ / ١٠٣.