الخليل قد استولى عليه ، فلم يكد يترك فيه بقية لغيره وخاصة فى قواعد النحو وأقيسته ، وبذلك غدا يونس فى نحوه وما وضعه من أقيسة أمة وحده ، وتنبه إلى ذلك القدماء ، فقالوا : «كانت ليونس مذاهب وأقيسة تفرد بها». ونحن نسوق طائفة من آرائه التى تخالف آراء سيبويه وأستاذه الخليل ، من ذلك أن الخليل كان يرى أن الزائد فى مثل قطّع هو الحرف الأول ، وكان يونس يرى أنه الحرف الثانى (١). وكان الخليل يرى أن مفعول ننزع محذوف فى الآية الكريمة : (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) والتقدير لننزعن الفريق الذين يقال فيهم أيهم أشد ، وقال يونس جملة (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) هى المفعول (٢). وكان الخليل وسيبويه يريان أن تصغير قبائل : قبيئل ، وكان يونس يرى أن تصغيرها : قبيّل (٣). وكان سيبويه لا يرد المحذوف فى التصغير فمثل يضع تصغّر على يضيع ، بينما كان يرده يونس فيقول فى تصغير يضع : يويضع (٤). وكان يذهب إلى أن تاء أخت وبنت ليست للتأنيث لأن ما قبلها ساكن صحيح ولأنها لا تبدل فى الوقف هاء (٥) ، كما كان يذهب إلى أن الشاعر فى قوله :
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا |
|
أو تنزلون فإنا معشر نزل |
أراد : أو أنتم تنزلون ، فعطف الجملة الاسمية على الجملة الشرطية ، وكان الخليل وسيبويه يذهبان إلى أن ذلك من باب العطف على التوهم (٦). وعلى هذا النحو وقع يونس بعيدا عن تطور نظرية النحو على شاكلة ما انتهت إليه فى الكتاب عند سيبويه ، والنحاة الذين يوضعون بحق فى تطورها هم ابن أبى إسحق وعيسى بن عمر ، ثم الخليل بن أحمد وسيبويه على نحو ما سيتضح ذلك عمّا قليل.
__________________
(١) الخصائص ٢ / ٦١.
(٢) المغنى ص ٨٢.
(٣) المنصف شرح تصريف المازنى لابن جنى ٢ / ٨٥.
(٤) الخصائص ٣ / ٧١.
(٥) شرح التصريح على التوضيح (طبعة عيسى الحلبى) وبهامشه حاشية الشيخ يس العليمى ١ / ٧٤.
(٦) الكتاب ١ / ٤٢٩ والمغنى ص ٧٧٣.