القياس وما يتصل به من علل ويكتفى بالظاهر من القرآن والحديث. وقد استلهم ابن مضاء هذه الثورة لا فى حملة على الفقه والفقهاء ، وإنما فى حملة على النحو والنحاة من حوله ، إذ وجد مادة العربية تتضخم بتقديرات وتأويلات وتعليلات وأقيسة وشعب وفروع وآراء لا حصر لها ولا غناء حقيقى فى تتبعها أو على الاقل فى تتبع الكثير منها ، فمضى يهاجمها فى ثلاثة كتب ، هى «المشرق فى النحو» و «تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان» وكتاب «الرد على النحاة» وهو ـ وحده ـ الذى بقى من آثاره. وفيه (١) يهاجم نظرية العامل التى عقّدت النحو وأكثرت فيه من التقديرات والمباحث التى لا طائل وراءها فى رأيه ، والمتكلم فى الحقيقة كما لاحظ ابن جنى (٢) هو الذى يعمل الرفع والنصب والجر فى الكلام. ويفصّل القول فيما أدخلته هذه النظرية على النحو من عقد التقديرات على نحو ما هو معروف فى العوامل المحذوفة مما يبعد الصيغ عن وجهها الطبيعى ، ويدفع إلى تمحلات لا داعى لها كتقدير أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا أخبارا أو صلات أو أحوالا يتعلقان بعامل محذوف ولا حذف هناك ولا عامل ـ فى رأيه ـ ولا عمل. ولا يلبث أن ينكر أن يكون فى قام من قولك «زيد قام» ضمير مستتر فاعل فهى فعل ولا فاعل له ، كما لاحظ ذلك من قبله الكسائى فى مثل «كلمنى وكلمت محمدا» فقد ذهب كما مر بنا فى غير هذا الموضع إلى أن فاعل كلمنى محذوف ولا فاعل لها ، غير أن ابن مضاء يتسع بذلك كما فى المثال السابق. ويذهب إلى أن ضمائر التثنية والجمع فى مثل «قاما وقاموا وقمن ويقومون» ليست ضمائر بل هى علامات تدل على التثنية والجمع ، وهو فى ذلك يستضىء برأى الأخفش الذى عرضنا له فيما أسلفنا من الحديث. ولكى يوضح فساد نظرية العامل وأنها دفعت النحاة أحيانا إلى رفض بعض أساليب العرب ووضع أساليب مكانها لا يعرفها العرب الجاهليون والإسلاميون درس باب التنازع دراسة مفصلة موضحا ما جلبه فيه النحاة من صيغ معقّدة عسرة لم ينطق بها العرب ولا وقعت فى أوهامهم. واستضاء فى ذلك بما مر بنا عند الجرمى من منعه التنازع فى الأفعال التى تتعدى
__________________
(١) انظر فى تحليل هذا الكتاب وصلته بالمذهب الظاهرى دراستنا له فى مدخله. وهو مطبوع بدار الفكر العربى فى القاهرة.
(٢) انظر الخصائص ١ / ١٠٩ وما بعدها.