إلى مفعولين أو ثلاثة ، لما فى ذلك من تكلف لصيغ لم تأت عن العرب. وبنفس الصورة درس باب الاشتغال مستلهما فى بيان أحكام النصب والرفع فيه تحليل الأخفش لبعض صيغه على نحو ما مر بنا فى حديثنا عنه. وكذلك درس باب فاء السببية وواو المعية اللتين ينصب بعدهما المضارع مصورا تعسف النحاة فى التأويل والتقدير ، ومستهلما رأى الجرمى الذى أنكر إضمار أن معهما كما استلهم مذهبه الظاهرى الذى يرفض ما وراء ظاهر النصوص من تقديرات وتأويلات. ويتسع فى استلهام هذا المذهب ، فإذا هو يهاجم ـ مستضيئا بابن جنى فى إنكاره علة العلة (١) ـ العلل الثوانى والثوالث ، كالتعليل لعمل إن النصب والرفع ، ولماذا لم تنصب الثانى وترفع الأول كالفعل ، مما ليس فيه نفع ولا فائدة فى ضبط الألسنة ، كما يهاجم الأقيسة النحوية وما حشد منها فى جميع أبواب النحو ، مما يبعد تصوره ويصعّب فهمه ولا يفيد فى النطق السليم بالعربى أى فائدة فى رأيه. وبالمثل يهاجم القياس ملاحظا تارة ضعفه وتارة فساده ، كما يهاجم التمارين غير العملية مما عرضنا له عند سيبويه والخليل كقول النحاة : «ابن من البيع على مثال فعل» ذاهبين إلى أنه يصح أن يقال بوع أو بيع قياسا على مثل موقن فى قلب الياء واوا أو على مثل بيض وغيد بقلب الضمة كسرة. وكل ذلك ـ فى رأيه ـ فضول ينبغى أن يبرّأ منها النحو ويخلّص تخليصا ، حتى لا يكون فيه عسر ولا صعوبة.
ابن (٢) عصفور
هو أبو الحسن على بن مؤمن بن محمد بن على بن عصفور الحضرمى الإشبيلى المتوفى سنة ٦٦٣ للهجرة حامل لواء العربية فى زمانه بالأندلس ، وهو تلميذ الشلوبين ، تصدر لإقراء النحو بعدّة بلاد فى موطنه. وله فى النحو والتصريف مصنفات مختلفة ، منها المقرّب ، والممتع فى التصريف ومختصر المحتسب لابن جنى ، وكانت له ثلاثة شروح على الجمل للزجاجى. وله آراء كثيرة تدور فى
__________________
(١) الخصائص ١ / ١٧٣ وما بعدها.
(٢) انظر فى ترجمة ابن عصفور بغية الوعاة ص ٣٥٧.