كان أمة فى القراءات ، ورواية الحديث النبوى. وجعله ذلك يكثر من الاستشهاد بالقرآن فى مصنفاته ، فإن لم يكن فيه الشاهد عدل إلى الحديث ، فإن لم يجد فيه ما يريده من الشواهد عدل إلى أشعار العرب. وهو يعدّ أول من استكثر من رواية الحديث فى النحو ، وحقّا كان يستشهد به من قبله فى مصنفاتهما ابن خروف والسّهيلى ، بل كان يستشهد به أحيانا أبو على الفارسى وابن جنى وابن برّى المصرى ، ولكنه هو الذى توسع فى الاستشهاد به. وكان نظم الشعر سهلا عليه ، مما جعله يخلّف فيه منظومات مختلفة فى النحو والصرف ، منها ألفيته المشهورة ، وهى فى ألف بيت ، والكافية الشافية ، وهى فى ثلاثة آلاف بيت ، ومنها المؤصّل فى نظم المفصل للزمخشرى ، وتحفة المودود فى المقصور والممدود. وخلّف مصنفات كثيرة فى العربية ، منها شرح الكافية ، والتسهيل وشرحه ، وشرح الجزولية ، وإعراب مشكل صحيح البخارى ، وعمدة الحافظ وعدة اللافظ وشرحه ، وإيجاز التعريف فى علم التصريف ، والمقدمة الأسدية صنفها لابنه تقى الدين الأسد ، والفوائد فى النحو. وقد بلغت مصنفاته نحو ثلاثين مصنفا بين منظوم ومنثور.
ولابن مالك اختيارات كثيرة من مذاهب البصريين والكوفيين والبغداديين وسابقيه من الأندلسين غير آراء اجتهادية ينفرد بها ، فمما اختاره من مذاهب البصريين ما ذهب إليه سيبويه من أن نون الرفع مع المضارع المجموع هى المحذوفة فى مثل «تأمرونى» (١) وكذلك ما ذهب إليه سيبويه من أن الفعل عسى فى قولك «عسيت أن تفعل» مضمّن معنى قاربت ، وبذلك يكون محل «أن تفعل» النصب على المفعولية (٢). وكان يرى رأى يونس فى أن إما الثانية فى مثل «قام إما زيد وإما عمرو» غير عاطفة ، إنما العاطف الواو السابقة لها (٣) وكذلك فى أن «الذى» قد تأتى حرفا مصدريا مثل (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) أى كخوضهم (٤). وكان يذهب مذهب المبرد فى أنه يجوز دخول لام الابتداء على معمول الخبر المقدّم عليه إذا كان ظرفا أو جارّا ومجرورا مثل «إن محمدا لبك واثق» وجوّزا
__________________
(١) المغنى ص ٦٨٥ وانظر فى اجتماع نون الوقاية مع نون الإناث الهمع ١ / ٦٥.
(٢) المغنى ص ٢٥ وما بعدها.
(٣) المغنى ص ٦٢
(٤) الهمع ١ / ٨٣ والمغنى ص ٦٠٢ وما بعدها.