حكيم دخل دارا محكمة البناء عجيبة النظام والأقسام وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة ، فكلما وقف هذا الرجل فى الدار على شىء منها قال : إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا .. وجائز أن يكون الحكيم البانى للدار فعل ذلك للعلة التى ذكرها هذا الذى دخل الدار ، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك ، فإن سنح لغيرى علة لما عللته من النحو هى أليق مما ذكرته للمعلول فليأت بها» (١).
ونحن نسوق طائفة من تعليلاته التى تأخذ شكل سيول متلاحقة فى كتاب سيبويه والكتب النحوية المختلفة ، من ذلك أنه كان يذهب إلى أن الإعراب أصل فى الأسماء وأن البناء أصل فى الأفعال والحروف وأن الطرفين لا يخرجان عن هذا الأصل إلا لعلة ، أما الأسماء فإنها تبنى حين تعترضها علة شبهها بالحرف ، ويعرب الفعل حين يشبه الاسم على نحو ما أعرب المضارع لشبهه باسم الفاعل من حيث الحركات والسكون مثل أخرج ومخرج وأكتب وكاتب ، وقد ظلت الحروف مبنية لأن شيئا منها لا يشبه الاسم (٢). ويعلل لعدم دخول الألف واللام على المنادى ، إذ لا يصح أن يقال : «يا الحارث» مثلا ، بل لا بد أن يقال : «يا أيها الحارث» بتوسط أى ، يقول : إن الألف واللام إنما منعهما أن يدخلا فى النداء من قبل أن كل اسم فى النداء مرفوع معرفة وذلك أن المتكلم إذا قال : «يا رجل» فمعناه كمعنى : «يا أيها الرجل» وصار معرفة لأنك أشرت إليه وقصدت قصده واكتفيت بهذا عن الألف واللام وصار كالأسماء التى هى للإشارة نحو هذا وما أشبه ذلك وصار معرفة بغير ألف ولام ، لأنك إنما قصدت قصد شىء بعينه ، وصار هذا بدلا فى النداء من الألف واللام واستغنى به عنهما كما استغنيت بقولك : «اضرب» عن «لتضرب» وكما صار المجرور (بالكسرة) بدلا من التنوين (أى فى حالة الإضافة) وكما صارت الكاف فى رأيتك بدلا من رأيت إياك. وإنما يدخلون الألف واللام ليعرفوك شيئا بعينه
__________________
(١) الإيضاح فى علل النحو للزجاجى ص ٦٥.
(٢) الزجاجى ص ٧٧.