وصيد عليه يومان ، ونحو هذا كثير فى الكلام. وليس شىء من الفعل ولا شىء مما سمّى به الفعل يحقّر إلا هذا وحده» (١). ووجه المغايرة فى قولهم : «يطؤهم الطريق» أن أصلها يطؤهم أهل الطريق أى أن بيوتهم على الطريق فمن جاز فيه رآهم ، وأصل «صيد عليه يومان» صيد الصيد فى يومين ، فحذف الصيد وأقيم يومين مقامه.
وعلى هذا النحو كان يسجّل القياس والشاذ عليه ، محاولا دائما أن يجد مخرجا لما شذّ على الأقيسة ، بل كثيرا ما كان يستمد من ذهنه الخصب قياسا له ، من ذلك جمع وجوه مع ذكر شخصين ، يقول سيبويه : «سألت الخليل عن (قولهم) ما أحسن وجوههما ، فقال : لأن الاثنين جميع ، وهذا بمنزلة قول الاثنين : نحن فعلنا» (٢). وواضح أنه قاس جمع الوجوه مع أنهما لاثنين على الضمير الذى يأتى للاثنين والجماعة. ومن ذلك ما رواه ابن جنى من أنه سئل عمن يقولون من العرب : «مررت بأخواك وضربت أخواك» معاملين الأسماء المثناة معاملة الأسماء المقصورة ، فقال : «هؤلاء قولهم على قياس الذين قالوا فى ييأس : ياءس ، أبدلوا الياء لانفتاح ما قبلها ، وقال : ومثله قول العرب من أهل الحجاز : «يا تزن وهم يا تعدون ، فرّوا من يوتزن ويوتعدون» (٣). ومعنى ذلك أنه قاس النطق بالألف فى المثنى فى موضعى الجر والنصب بالياء على لغة من يبدلون الياء ألفا فى بعض المواضع وكذلك من يبدلون الواو ألفا ، لغرض الخفة والسهولة ، وقد أخرج القياس مخرج التعليل.
ومرّ بنا أنه فى المنهج الذى رسم به العروض والمنهج الذى وضعه لمعجم العين لاحظ فى الأول النص على الأوزان المهملة كما لاحظ فى الثانى النص على الكلمات غير المستعملة التى لم تجر على لسان العرب ، وهذا نفسه يلاحظ فى بنائه للنحو وأقيسته فقد كان ينصّ على الشاذ كما أسلفنا آنفا ، وكان ينص على المهمل من أساليب العرب ، مما لا يدخل فى أقيسة لغتهم ، ومرّ بنا أنه كان ينكر مثل : «هو زيد منطلقا» ويحمل كتاب سيبويه عنه مادة واسعة من مثل هذا الأسلوب الذى لم يسمع عمن يوثق بعربيتهم ، وهى مادة غزيرة ولكن يكفى أن نمثّل لها ، فمن ذلك
__________________
(١) الكتاب ٢ / ١٣٥.
(٢) الكتاب ١ / ٢٤١.
(٣) الخصائص ٢ / ١٤ والمنصف ١ / ٢٠٣.