ما جاء عن العرب كثيرا ، ومن خير ما يوضح ذلك عنده النسبة إلى فعيل وفعيل مثل ثقيف وهذيل ، فقد كثر عن العرب فى هذين المثالين أن يصوغوهما على فعلىّ وفعلى فتقول ثقفىّ وهذلىّ ، ونحوهما قرشىّ. ولم يرتض سيبويه أن يكون ذلك قياسا مطردا ، إذ رأى أن حق مثل هذه الألفاظ إقرار الياء فى النسب ، كقولهم فى حنيف حنيفى ، وبذلك منع أن يقاس على ما ورد عن العرب من ذلك ، وإن كثر على ألسنتهم ، فمثل سعيد ينبغى أن تكون النسبة إليه سعيديّا ، وكأنه اتخذ من المثال النادر وهو حنيف أصلا للقياس ، ورفض الكثير المستعمل لأن قياسه فى رأيه ضعيف (١).
وإذا كنا لاحظنا عند الخليل أنه فتح باب التمارين على قوانين النحو والصرف وقواعدهما ، فإن سيبويه قد فتحه بكلتا يديه على مصاريعه ، فإذا هو يصوغ فى كل جانب من كتابه أمثلة توضح تلك القواعد والمقاييس ، وحقّا لا يتسع بذلك فى النحو كما اتسع به فى الصرف ، فقد كان يسير فى النحو بحذاء ما سمعه عن العرب وشيوخه وما ثقفه من قراءات الذكر الحكيم ، وقلما عمد إلى وضع الأمثلة. أما فى الصرف فقد اتسع فى ذلك اتساعا كبيرا ، فمن ذلك أن نراه فى الممنوع من الصرف يعرض أبنية كثيرة لم تسمع عن العرب ، يقول مثلا : «وإن سميت رجلا ضربوا فيمن قال أكلونى البراغيث (أى من يعامل الواو معاملة تاء التأنيث) قلت «هذا ضربون قد أقبل» تلحق النون كما تلحقها فى أولى لو سميت بها رجلا من قوله عزوجل (أُولِي أَجْنِحَةٍ) ومن قال هذا مسلمون فى اسم رجل قال هذا ضربون ورأيت ضربين ، وكذلك يضربون فى هذا القول. فإن جعلت النون حرف الإعراب فيمن قال هذا مسلمين (علما على شخص) قلت هذا ضربين قد جاء» (٢). وتكثر مثل هذه الأبنية المظنونة أو المقترحة فى الصرف ، حتى لنراه يعقد لها أحيانا فصولا برمتها ، ومن خير ما يصور ذلك عنده «باب ما قيس من المعتل من بنات الياء والواو ولم يجئ فى الكلام إلا نظيره من غير المعتل» (٣) ويأخذ فى عرض ذلك عرضا يطول حتى يشغل أكثر من أربع
__________________
(١) الكتاب ٢ / ٦٩ وما بعدها.
(٢) الكتاب ٢ / ٨.
(٣) الكتاب ٢ / ٣٩٢.