صفحات طويلة ، وكلها فى صيغ من بنات أفكاره يحاول أن يقيسها على صيغ معروفة. وعلى هذا النسق «باب ما قيس من المضاعف الذى عينه ولامه من موضع واحد ولم يجئ فى الكلام إلا نظيره من غيره» ويستهله على هذا النحو : «تقول فى فعل من رددت ردد ، كما أخرجت فعلا على الأصل لأنه لا يكون فعلا ، وتقول فى فعلان رددان وفعلان رددان يجرى المصدر فى هذا مجراه لو لم تكن بعده زيادة ألا تراهم قالوا خششاء ، وتقول فى فعلان ردّان وفعلان ردّان أجريتهما على مجراهما وهما على ثلاثة أحرف ليس بعدها شىء كما فعلت ذلك بفعل وفعل ، وتقول فى فعلول من رددت رددود وفعليل ردديد كما فعلت ذلك بفعلان» (١). وعلى هذا النحو لا يحيط سيبويه بأبنية اللغة وشاراتها النحوية فحسب ، بل يمدّ بحثه فيهما إلى كل مظنون فى التعبير وكل صيغة ممكنة ، مع دعم كلامه بالأقيسة والعلل دعما لا يعلّم به النحو والصرف فحسب ، بل يعلّم به أيضا العقل ، ويرهف الحسّ اللغوى عند قارئه ، إذ لا يزال يعرض عليه دقائق التعبير وخصائص الأبنية عرض من أتقنها علما وفقها وتحليلا. ويدل على ذلك من بعض الوجوه وقوفه عند المصادر التى جاءت على وزن فعلان ، إذ نراه يحس فيها دلالة على الاضطراب والحركة فى أحداثها لتوالى الحركات فى بنائها ، يقول : «ومن المصادر التى جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعانى قولك : النّزوان والنّقزان والقفزان ، وإنما هذه الأشياء فى زعزعة البدن واهتزازه فى ارتفاع ، ومثله العسلان والرتكان .. ومثل هذا الغليان لأنه زعزعة وتحرك ، ومثل ذلك اللهبان .. والوهجان لأنه تحرك الحروثؤوره ، فإنما هو بمنزلة الغليان» (٢). وبهذا الحس المرهف وما سنده من ملكات عقلية باهرة رسم سيبويه أصول العربية وصاغ لها قوانينها الإعرابية والصرفية ، وفيه يقول ابن جنى : «لما كان النحويون بالعرب لاحقين وعلى سمتهم آخذين وبألفاظهم متحلّين ولمعانيهم وقصودهم آمّين جاز لصاحب هذا العلم (سيبويه) الذى جمع شعاعه (٣) ،
__________________
(١) الكتاب ٢ / ٤٠٢.
(٢) الكتاب ٢ / ٢١٨.
(٣) شعاعه : متفرقه.