الغموض والعسر ، حتى يلتمس منه الناس تفسيرها رغبة فى التكسب بها (١). وقد ترك البصرة إلى بغداد بأخرة من عمره. وما زال الطلاب يقبلون من كل حدب على دروسه وإملاءاته حتى توفى سنة ٢١١ للهجرة.
وهو أكبر أئمة النحو البصريين بعد سيبويه ، وفى رأينا أنه هو الذى فتح أبواب الخلاف عليه ، بل هو الذى أعدّ لتنشأ ، فيما بعد ، مدرسة الكوفة ثم المدارس المتأخرة المختلفة ، فإنه كان عالما بلغات العرب ، وكان ثاقب الذهن حاد الذكاء ، فخالف أستاذه سيبويه فى كثير من المسائل ، وحمل ذلك عنه الكوفيون ، ومضوا يتسعون فيه ، فتكونت مدرستهم. ولا بد أن نلاحظ منذ الآن أن خلافاته وخلافات المدارس التالية ، وكذلك خلافات البصريين التالين له ، إنما هى خلافات فى بعض الفروع ، فإن النحو وأصوله وقواعده الأساسية تكونت نهائيّا على يد سيبويه وأستاذه الخليل ، وكأنهما لم يتركا للأجيال التالية سوى خلافات فرعية تتسع وتضيق حسب المدارس وحسب النحاة.
ويبدو أن الأخفش عنى بالحدود والتعريفات أكثر مما عنى أستاذه سيبويه ، ومن التعريفات التى روتها له كتب النحاة تعريفه الاسم وكان سيبويه اكتفى بالتمثيل له قائلا : «والاسم رجل وفرس وحائط» (٢) أما هو فقال : «الاسم ما جاز فيه نفعنى وضربنى» يريد أنه ما جاز أن يخبر عنه (٣). وعلى نحو ما عنى بالتعريفات عنى بالتعليلات ، حتى تعليل ما لم يقع فى اللغة ، من ذلك تعليل امتناع الفعل المضارع من الخفض ، وكان سيبويه يعلل لذلك بأن المجرور داخل فى المضاف إليه وأنه يعاقب التنوين والمضارع لا ينوّن. ونرى الأخفش يتخذ من هذا التعليل موقفين : موقفا يشرحه فيه قائلا : «لا يدخل الأفعال الجر ، لأنه لا يضاف إلى الفعل ، والخفض لا يكون إلا بالإضافة ، ولو أضيف إلى الفعل ، والفعل لا يخلو من فاعل ، وجب أن يقوم الفعل وفاعله مقام التنوين ، لأن المضاف إليه يقوم مقام التنوين ، وهو زيادة فى المضاف كما أن التنوين زيادة. فلم يجز أن تقيم الفعل والفاعل مقام التنوين لأن الاسم لا يحتمل زيادتين ،
__________________
(١) الحيوان للجاحظ ١ / ٩١.
(٢) الكتاب ١ / ٢.
(٣) الإيضاح فى علل النحو للزجاجى ص ٤٩.