ولم يبلغ من قلة التنوين ـ وهو واحد ـ أن يقوما مقامه ، كما لم يحتمل الاسم الألف واللام مع التنوين» (١). والموقف الثانى هو محاولة الإدلاء بعلة جديدة إذ يقول : «لم يدخل الأفعال جرّ لأنها أدلة ، وليست الأدلة بالشىء الذى تدل عليه. وأما زيد وعمرو وأشباه ذلك فهو الشىء بعينه ، وإنما يضاف إلى الشىء بعينه لا إلى ما يدل عليه ، وليس يكون جر فى شىء من الكلام إلا بالإضافة (٢)». وهو يريد أن الفعل دليل على الفاعل والمفعول والحدث. والإضافة إنما تكون إلى هذه الأشياء لا إلى ما دلّ عليها مما يصوّر حركات الفاعلين. ويعلل لإضافة اسم الزمان إلى الفعل بقوله : «إنما أضيفت أسماء الزمان إلى الأفعال لأن الأزمنة كلها ظروف للأفعال والمصادر ، والظروف أضعف الأسماء فقوّوها بالإضافة إلى الأفعال» (٣)
وقلنا آنفا إنه هو الذى فتح للكوفيين أبواب الخلاف على سيبويه وأستاذه الخليل بما بسط من وجوهه ، وقد تابعوه فى كثير من هذه الوجوه بحيث يمكن أن يقال بحق إنه الأستاذ الحقيقى للمدرسة الكوفية ، لا لأن إمامها الكسائى والفراء تتلمذا له فحسب ، بل أيضا لأنهما تابعاه فى كثير من آرائه التى حاول بها نقض طائفة من آراء سيبويه والخليل ، وقد مضياهما وغيرهما من أعلام النحاة فى الكوفة يتخذون من آرائه قبسا للاهتداء به فيما نفذوا إليه من آراء أعدّت لقيام المدرسة الكوفية. وحسبنا أن نعرض مجموعة من آرائه التى وافقه فيها الكسائى والفرّاء والكوفيون لتتضح صحة ما نزعمه من أنه الإمام الحقيقى لهم ولمدرستهم. أما الكسائى فنراه يرى رأيه فى أنه يجوز تأكيد عائد الصلة المحذوف والعطف عليه مثل جاء الذى ضربت نفسه أى ضربته نفسه ، ومثل جاءنى الذى كلمت وعمرا ، أى كلمته وعمرا (٤). وكان يذهب مذهبه فى أن من الجارة تزاد فى الإيجاب مثل : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) ، (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)
__________________
(١) الزجاجى ص ١١٠.
(٢) الزجاجى ص ١٠٩.
(٣) الزجاجى ص ١١٤.
(٤) همع الهوامع للسيوطى (طبعة الخانجى) ١ / ٩١.