«أمامك زيد (١)» وهما عند سيبويه خبر مقدم وزيد مبتدأ مؤخر. وتبعوه فى أن الفعل الماضى يصح أن يأتى حالا بدون تقدم قد والواو عليه ، وكان يستدل بالآية الكريمة : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ومثلها (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا)(٢). ومما ذهبوا مذهبه فيه أن المرفوع بعد إن الشرطية وإذا فى مثل (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) لا يعرب فاعلا لفعل محذوف كما ذهب سيبويه ، وإنما يعرب مبتدأ (٣). وجوّزوا مثله توكيد النكرة إذا كانت محدودة مثل صمت شهرا جميعه (٤). وكان سيبويه يذهب إلى أن المصدر فى مثل أتيته ركضا حال مؤولة بالمشتق أى راكضا ، وذهب الأخفش ـ وتبعه الكوفيون ـ إلى إعراب المصدر فى مثل هذا الموضع مفعولا مطلقا ، وكان يجعله معمولا لفعل مقدر من لفظه ، وذلك الفعل هو الحال ، فتقدير المثال الآنف : أتيته أركض ركضا (٥). وكانوا يجوّزون مثله ترك صرف ما ينصرف فى ضرورة الشعر (٦) وكذلك مد المقصور (٧).
وهذه أطراف مما نجده منثورا فى كتب النحو من متابعة الكوفيين والكسائى والفراء للأخفش فى آرائه النحوية ، فإذا قلنا إنه يعدّ بحق الإمام الأول للمدرسة الكوفية لم نكن مبعدين ولا مغالين ، وحتى ما اشتهرت به هذه المدرسة من قياسها على الشاذ أحيانا نجده واضحا فى كثير من هذه الآراء التى أسلفناها. وأيضا ما اشتهر به جمهور هذه المدرسة من الاعتداد بالقراءات الشاذة على مقاييس سيبويه نجد أساسه عند الأخفش ، فقد أخذ ، كما مر بنا ، بقراءة أبى جعفر : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) مشتقّا منها قاعدة جواز إقامة غير المفعول به مع وجوده نائب فاعل مخالفا بذلك أستاذه (٨). ومرّ بنا أن سيبويه لم يكن يجيز العطف على الضمير
__________________
(١) الإنصاف لابن الأنبارى (طبع أو ربا) المسألة رقم ٦ وأسرار العربية لنفس المؤلف (طبعة دمشق) ص ٧١ ، ٢٩٥ والرضى على الكافية ١ / ٨٤.
(٢) الإنصاف : المسألة رقم ٣٢ والهمع ١ / ٢٤٧.
(٣) الخصائص لابن جنى ١ / ١٠٥ والمغنى ص ٦٤٣.
(٤) الهمع ٢ / ١٢٤.
(٥) الهمع ١ / ٢٣٨.
(٦) الإنصاف : المسألة رقم ٧٠ والهمع ١ / ٣٧.
(٧) الإنصاف ص ٣١٦.
(٨) الهمع ١ / ١٦٢ وابن يعيش ٣ / ٢٢.