تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء ٤ / ٤١].
والسبب في تأخير صلة الشهادة (أي على) أولا في قوله تعالى (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) وتقديمها آخرا في قوله (عَلَيْكُمْ شَهِيداً) : هو أن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم ، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم.
والحاصل : أن الشهادة على الأمم ميزانها وسببها وسطية الإسلام ، ويؤكدها شهادة الرسولصلىاللهعليهوسلم على أمته بأنه يزكيهم ويعلم بعدالتهم.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ) أي إنما شرعنا لك يا محمد التوجّه أولا إلى بيت المقدس ، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت ، ممن ينقلب على عقبيه ، أي فيتبين الثابت على إيمانه ممن لاثبات له ، فهو امتحان وابتلاء ليظهر ما علمناه ، ويجازى كل إنسان على عمله. هذا هو الظاهر من الآية في أنّ المراد بالقبلة هنا : القبلة الأولى ، لقوله تعالى (كُنْتَ عَلَيْها). وقيل : الثانية أي الكعبة ، فتكون الكاف زائدة ، والمراد أنت عليها الآن ، كما في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران ٣ / ١١٠] ، أي أنتم ، في قول بعضهم.
وقد اتّجه الزمخشري ومثله أبو حيان إلى القول الثاني قائلا : (الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) ليست بصفة للقبلة ، إنما هي ثاني مفعولي جعل ، يريد : وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها ، وهي الكعبة ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يصلي بمكة إلى الكعبة ، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة ، تألفا لليهود ، ثمّ حوّل إلى الكعبة. فيقول : وما جعلنا القبلة التي يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة ، يعني وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء.