ومعنى الآية : يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم القصاص بسبب القتلى ، فتقتصوا من القاتل بمثل ما فعل في القتيل ، ولا يبغين بعضكم على بعض ، فيقتل الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى ، مثلا بمثل ، ودعوا الظلم الذي كان بينكم ، فلا تقتلوا بالحر أكثر من واحد ، ولا بالعبد حرا ، ولا بالأنثى رجلا. وبينت السنة أن الذكر يقتل بالأنثى ، والحر بالعبد إذا لم يكن سيده.
فالعدل مطلوب في القصاص ، والمساواة شرط فيه ، فلا يقتل الكثير بالقليل ، ولا السيد بالمسود ، وإنما ينحصر بالقاتل ، لا يتجاوزه إلى أحد أفراد قبيلته ، أو أقاربه ، أو عشيرته.
فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه ولي الدم ، حتى ولو كان واحدا من أولياء الدم أو القتيل : وهم عصبته الذين يعتزون بوجوده ، ويألمون لفقده ، بأن كان العفو من القصاص إلى الدية ، فيجب على العافي وغيره أن يحسن في الطلب من غير إرهاق ولا تعنيف ، وعلى المؤدي الأداء من غير مطل ولا تسويف. كما يجوز العفو عن الدية أيضا ، لقوله تعالى : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء ٤ / ٩٢].
ذلك الحكم الذي شرعناه من العفو عن القاتل إلى الدية أو بدون دية : تخفيف وتسهيل ورخصة من ربكم ، ورحمة لكم ، وأي رحمة أفضل من الإبقاء على الحياة وعدم سفك الدماء. ولم يكن أخذ الدية مشروعا عند اليهود ، وليس لأولياء المقتول إلا القصاص. فمن اعتدى بعد أخذ الدية وقتل القاتل ، أو تجاوز ما شرعناه وعاد إلى عادة الجاهلية ، فله عذاب شديد الألم يوم القيامة. فالتخفيف بالعفو بنوعيه قائم ، لأن أهل التوراة لهم القصاص ، وأهل الإنجيل لهم العفو بلا دية.
وحكمة القصاص : أنه يساعد على توفير الحياة الهانئة المستقرة للجماعة ،