واستدل الحنفية بعموم آيات القصاص بدون تفرقة بين نفس ونفس ، مثل قوله تعالى: (تِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة ٢ / ١٧٨] وقوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة ٥ / ٤٥].
أما آية (الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) بعد قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) : فالمراد بها عند الحنفية الرد على ما كان يفعله بعض القبائل ، من أنهم يأبون أن يقتلوا في عبدهم إلا حرا ، وفي امرأتهم إلا رجلا ، فأبطل ما كان من الظلم ، وأكد فرض القصاص على القاتل دون غيره ، فليس في الآية دلالة على أنه لا يقتل الحر بالعبد ، أو أنه لا يقتل الرجل بالمرأة ، لأن الله أوجب قتل القاتل بصدر الآية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) وهذا يعم كل قاتل ، سواء أكان حرا قتل عبدا أم غيره ، وسواء أكان مسلما قتل ذميا أم غيره. ثم جاءت آية : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ ..) لبيان ما تقدم ذكره على وجه التأكيد.
وقال الجمهور : إن الله قد أوجب أولا المساواة في القصاص ، ثم بين المساواة المعتبرة ، فأوضح أن الحر يساويه الحر ، والعبد يساويه العبد ، والأنثى تساويها الأنثى ، لكن جاء الإجماع مستندا إلى السنة النبوية على أن الرجل يقتل بالمرأة.
فمناط الاستدلال عندهم كلمة (الْقِصاصُ) الموجبة للمساواة والمماثلة في القتل. ومناط الاستدلال عند الحنفية كلمة (الْقَتْلى) الموجبة حصر القصاص في القاتل لا في غيره.
وإذا كان الحر لا يقتل بالعبد ـ في رأي الجمهور ـ فالمسلم لا يقتل بالذمي ، لأن نقص العبد برقه الذي هو من آثار الكفر ، فلا يقتل المسلم بالكافر.
ويظهر أن رأي الحنفية يحقق الانسجام بين صدر الآية وعجزها ، فيكون العبد مساويا للحر ، ويكون المسلم مساويا للذمي في الحرمة ، لأنه محقون الدم