وأجمعت عليه الأمة إلا من شذّ ، وأجمع العلماء على أن القبلة أول ما نسخ من القرآن ، وأنها في أحد القولين الآتيين نسخت مرتين.
ودلّت أيضا على جواز نسخ السّنة بالقرآن الكريم ، لأنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم صلّى نحو بيت المقدس ، وليس في ذلك قرآن ، فلم يكن الحكم إلا من جهة السّنة ، ثمّ نسخ ذلك بالقرآن ، وعلى هذا يكون : (كُنْتَ عَلَيْها) بمعنى أنت عليها.
واختلف العلماء حين فرضت الصلاة أولا بمكة ، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة ، على قولين :
فقال ابن عباس : إلى بيت المقدس ، وبالمدينة سبعة عشر شهرا ، ثم صرفه الله تعالى إلى الكعبة.
وقال آخرون : أول ما افترضت الصلاة على النّبي صلىاللهعليهوسلم إلى الكعبة ، ولم يزل يصلّي إليها طوال مقامه بمكة ، على ما كانت عليه صلاة إبراهيم وإسماعيل ، فلما قدم المدينة ، صلّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، على الخلاف ، ثم صرفه الله إلى الكعبة. قال ابن عبد البر : وهذا أصح القولين عندي.
والسبب أنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة أراد أن يستألف اليهود ، فتوجه إلى قبلتهم ، ليكون ذلك أدعى لهم ، فلما تبيّن عنادهم وأيس منهم ، أحبّ أن يحوّل إلى الكعبة ، فكان ينظر إلى السماء ، وكانت محبته إلى الكعبة ، لأنها قبلة إبراهيم عليهالسلام.
وقد روى الأئمة ـ واللفظ لمالك ـ عن ابن عمر كيف تمّ التحويل ، قال : بينما الناس بقباء (١) في صلاة الصبح ، إذ جاءهم آت ، فقال : رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد
__________________
(١) قباء : قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة ، بها أثر بنيان كثير ، وفيها مسجد التقوى.