الثاني ـ أن الصوم سرّ بين العبد وبين ربّه ، لا يظهر إلا له ، فصار مختصا به ، وما سواه من العبادات ظاهر قد يدخله الرياء.
٢ ـ الصوم يعدّ النفس للتقوى ، لقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهو سبب تقوى الله ، لأنه يميت الشهوات ، ولأنه كما قال عليه الصلاة والسلام : «الصيام جنّة ووجاء»(١).
٣ ـ يجوز للمريض والمسافر الإفطار في رمضان ، ويجب عليهما القضاء في وقت آخر. والمرض المبيح للفطر في رأي أكثر الفقهاء : هو الذي يؤدي إلى ضرر في النفس ، أو زيادة في العلة. والعبرة في ذلك بما يغلب على الظنّ. وهذا الضابط هو الذي يتفق مع حكمة الرخصة في الآية : وهي إرادة اليسر ودفع العسر. وظاهر اللفظ : اعتبار مطلق المرض ، بحيث يطلق عليه اسم المرض ، وإلى ذلك ذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري.
وأما السفر المبيح للفطر : فهو الذي يبيح قصر الصلاة الرباعية ، وقدره في رأي الجمهور ستة عشر فرسخا أو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية ، أو مسيرة يومين معتدلين أو مرحلتين بسير الأثقال ودبيب الأقدام ، والبحر كالبر. ودليلهم ما رواه الشافعي عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : «يا أهل مكة ، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان» وقدروها بحوالي ٨٩ كم.
وقدر السفر الذي يبيح الترخيص عند الحنفية : هو قدر ثلاث مراحل أو أربع وعشرين فرسخا ، أو مسيرة ثلاثة أيام سيرا وسطا ، وهو سير الإبل ، والأقدام في البر ، وسير السفن الشراعية في البحر ، ويكتفون بسير معظم اليوم ، وقدروه ب ٩٦ كم. واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام : «يمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن» ولا يكون كذلك حتى تكون مدة السفر
__________________
(١) أي أن الصوم يضعف شهوة الجماع ، كما أن الوجاء (الخصاء) يقطعها.