وروي : «إنك لعريض القفا ، إنما ذاك بياض النهار ، وسواد الليل». قلت : غفل عن البيان ، ولذاك عرّض رسول الله صلىاللهعليهوسلم قفاه ، لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته.
فإن قلت : فما تقول فيما روي عن سهل بن سعد الساعدي : «أنها نزلت ولم ينزل: من الفجر ، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ، ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب ، حتى يتبينا له ، فنزل بعد ذلك : من الفجر ، فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل والنهار» (١). وكيف جاز تأخير البيان ، وهو يشبه العبث ، حيث لا يفهم منه المراد ، إذ ليس باستعارة لفقد الدلالة ، ولا بتشبيه ، قبل ذكر : الفجر ، فلا يفهم منه إذن إلا الحقيقة ، وهي غير مرادة؟!.
قلت : أما من لا يجوز تأخير البيان ، وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين ، وهو مذهب أبي علي وأبي هاشم ، فلم يصح عندهم هذا الحديث. وأما من يجوزه ، فيقول : ليس بعبث ، لأن المخاطب يستفيد منه وجوب الخطاب ، ويعزم على فعله ، إذا استوضح المراد منه (٢).
التفسير والبيان :
هذه الآيات تذكير للعباد وتعليم للمؤمنين ما يراعونه في عبادة الصيام وغيرها من الطاعة والإخلاص والآداب والأحكام ، والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء الذي يعدّهم للهدى والرشاد. وقال البيضاوي في وجه الربط بين الآيات : واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة ، وحثهم على القيام بوظائف التكبير
__________________
(١) رواه البخاري عن ابن أبي مريم ، ورواه مسلم عن محمد بن سهل عن ابن أبي مريم.
(٢) الكشاف : ١ / ٢٥٨