والشكر ، عقبه بهذه الآية الدالة على أنه خبير بأحوالهم ، سميع لأقوالهم ، مجيب لدعائهم ، مجاز على أعمالهم ، تأكيدا له وحثا عليه.
وقد روي أن سبب نزول الآية : أن النّبي صلىاللهعليهوسلم سمع المسلمين يدعون الله بصوت مرتفع في غزوة خيبر ، فقال لهم : «أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم».
وروي أيضا عن قتادة : أن الصحابة قالوا : كيف ندعوا ربنا يا نبي الله؟ فأنزل الله هذه الآية.
وروي كذلك أنه : لما نزلت آية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ، فهموا منها تحريم الأكل بعد النوم ، ثم إنهم أكلوا ، وندموا ، وتابوا ، وسألوا النّبي صلىاللهعليهوسلم : هل يقبل الله تعالى توبتنا؟ فنزلت.
وليس المراد بالقرب هنا قرب المكان ، بل المراد : القرب بالعلم وما تقتضيه إجابة الدعاء. ويرى السلفيون : أن ما ذكر في القرآن والسنة من قرب الله ومعيّته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته ، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء.
ومعنى الآية (١٨٦) : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) أي عن شأن من شؤون ذاتي ، وهي جهة القرب أو البعد ، فإني قريب منهم ، أي أعلم أحوالهم ، وأسمع أقوالهم ، وأرى أعمالهم ، وهو المراد بالقرب في آية أخرى مماثلة : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق ٥٠ / ١٦] فليس بيني وبين أحد حجاب ، وأجيب دعوة من يدعوني مخلصا لي ، دون وسيط ، وقرن دعاءه بالعمل الخالص لوجه الله تعالى.
وإجابة الدعاء تشمل الهداية للأسباب كتيسير سبل الرزق والشفاء والنجاح ، وتحقيق النتائج المترتبة على الأسباب بالتوفيق والرعاية.