ودلّ هذا أيضا على صحّة الإجماع ووجوب الحكم به ، لأنهم إذا كانوا عدولا ، شهدوا على الناس ، فكل عصر شهيد على من بعده.
وشهادة الرسول على أمته معناها : الشهادة بأعمالهم يوم القيامة ، أو الشهادة لهم بالإيمان ، أو الشهادة عليهم بالتبليغ لهم.
وأما تحويل القبلة : فهو اختبار المؤمنين ، ليظهر صدق الصادقين ، وريب المرتابين ، كما هو الشأن في ألوان الاختبار الإلهي بأنواع من الفتن ، كما قال لله تعالى : (الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا : آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ* فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [العنكبوت ٢٩ / ١ ـ ٣].
والقصد من العلم في قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) وقوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ ..) هو علم الظهور والوقوع ، لا أن العلم مسبوق بالجهل ، فعلم الله تعالى قديم لا يتجدد ، وهو يعلم الأشياء قبل وقوعها أنها ستقع ، ومتى تقع ، وأين تقع ، ولكنه برهان وحجة على الناس من أعمالهم وتصرفاتهم نفسها.
وأما من مات وهو يصلّي إلى بيت المقدس ، فثوابه محفوظ كامل غير منقوص ، لا يضيعه الله له أبدا ، لأن الله واسع الرأفة ، شامل الرحمة ، فلا يكتفي بدفع البلاء عن المؤمنين المنفذين أوامره ، بل يعاملهم بالرحمة الواسعة والإحسان الشامل.
واختلف العلماء في تأويل : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) فقال بعضهم : معناها : وما كان الله ليضيع إيمانكم بالتوجه إلى القبلة ، وتصديقكم لنبيكم ، وقال آخرون : المراد به صلاتكم إلى بيت المقدس. وتسمية الصلاة إيمانا إما مجاز ، أو إنها تسمى حقيقة إيمانا ، كما قال الفقهاء ، فهي من أركان الإيمان وعهد