الله» قال القرطبي : فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكفر ، لأنه قال : (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي كفر ، فجعل الغاية عدم الكفر ، وهذا ظاهر (١). أي أن المعنى: وقاتلوهم حتى يزول الكفر ، ويثبت الإسلام ، ونظيره قوله تعالى : «تقاتلونهم أو يسلمون».
٤ ـ الظفر بالحق :
دلت آية (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) على جواز أخذ الحق من الظالم بأي طريق ، ما لم يعد سارقا. وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهم. قال ابن العربي(٢) :
من أباح دمك فمباح دمه لك ، لكن بحكم الحاكم ، لا باستطالتك وأخذ ثأرك بيدك ، ولا خلاف فيه.
ومن أخذ مالك فخذ ماله ، إذا تمكنت منه ، إذا كان من جنس مالك ، طعاما بطعام ، وذهبا بذهب ، وقد أمنت من أن تعدّ سارقا.
وأما أخذ ما ليس من جنس مالك ، فاختلف العلماء فيه ، فمنهم من قال : لا يؤخذ إلا بحكم حاكم ، ومنهم من قال : يتحرّى قيمته ، ويأخذ مقدار ذلك ، هو الصحيح عندي.
ومن أخذ عرضك فخذ عرضه ، لا تتعداه إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه. لكن ليس لك أن تكذب عليه ، وإن كذب عليك ، فإن المعصية لا تقابل المعصية ، فلو قال مثلا : يا كافر ، جاز لك أن تقول له : أنت الكافر ، وإن قال لك : يا زاني ، فقصاصك أن تقول : يا كذاب ، يا شاهد زور ، ولو قلت له
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢ / ٣٥٤
(٢) أحكام القرآن : ١ / ١١١ ـ ١١٢