أداء العبادة ، وأن القصد إلى ذلك لا يكون شركا ، ولا يخرج به المكلف عن شرط الإخلاص المفترض عليه. لكن الحج دون تجارة أفضل ، لبعده عن شوائب الدّنيا وتعلّق القلب بغيره.
وفي آية : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ..) دلالة على أن الوقوف بعرفة أمر واجب لا بدّ منه ، لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده ، ولأنه قد رتب عليه الأمر بالذكر عند المشعر الحرام.
وقد أجمع العلماء على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال (الظهر) ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه ذلك. وأجمعوا على تمام حجّ من وقف بعرفة بعد الزوال ، وأفاض نهارا قبل الليل ، إلا الإمام مالك ، فإنه قال : لا بدّ أن يأخذ من الليل شيئا. ولا خلاف أيضا في أن من وقف بعرفة بالليل فحجّه تام. وحجة الجمهور : مطلق قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) ولم يخصّ ليلا من نهار ، وحديث عروة بن مضرّس قال : أتيت النّبي صلىاللهعليهوسلم وهو في الموقف من جمع ـ مزدلفة ـ ، فقلت : يا رسول الله ، جئتك من جبلي طيء ، أكللت مطيّتي ، وأتعبت نفسي ، والله إن تركت من جبل (١) إلا وقفت عليه ، فهل لي من حجّ يا رسول الله؟ فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «من صلّى معنا صلاة الغداة بجمع ، وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد قضى تفثه (٢) ، وتمّ حجّه» (٣).
__________________
(١) أي ما تركت جبلا إلا وقفت عليه.
(٢) المراد أنه أتى بما عليه من المناسك. والمشهور : أن التفث : ما يصنعه المحرم عند حلّه من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الإبط وغيره من خصال الفطرة ، ويدخل ضمن ذلك نحر الإبل وغيرها وقضاء جميع المناسك ، لأنه لا يقضى التفث إلا بعد ذلك.
(٣) رواه أبو داود والنسائي والدار قطني واللفظ له ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.