قريش ، فنزل عن راحلته ، وانتشل ما في كنانته ، ثم قال : يا معشر قريش : لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، وأيم الله ، لا تصلون إليّ حتى أرمي كل سهم معي في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ، ما بقي في يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة ، وخليتم سبيلي ، قالوا : نعم ، فلما قدم على النّبي صلىاللهعليهوسلم المدينة ، قال : «ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع» ، ونزلت الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ..).
المناسبة :
ذكر الله في الآيات السابقة أن الناس في الحج صنفان : منهم من يدعو الله للدنيا ، ومنهم من يدعو للآخرة ، وأن المقصد من كل العبادات هو تقوى الله ، ومحل التقوى هو القلب لا اللسان ، وهنا ذكر صنفين آخرين في ميزان التقوى : منافق ومؤمن ، الأول يظهر غير ما يبطن ، والثاني مخلص في عمله يبتغي مرضاة الله تعالى.
التفسير والبيان :
بعض الناس يروقك قوله ويعجبك لسانه وبيانه ، ولكنه منافق يظهر غير الحقيقة ، فيعلن غير ما يضمر ، ويقول ما لا يفعل ، ليحظى بشيء من أعراض الدنيا الفانية ، ويزيد في الإيهام والتضليل أنه يحلف بالله أنه صادق ، فيقول : يعلم الله هذا ، ويشهد أني صادق ، وهو في الواقع قوي الجدل ، يغش الناس بما يظهر ، شديد العداوة للمسلمين. وهذه الخصال الثلاث (حسن القول ، وإشهاد الله على صدقه ، وقوته في الجدل) وجدت في الأخنس بن شريق ، كما بيّنا في سبب النزول.
وهذا الصنف سرعان ما ينكشف أمره ، فتراه إذا توارى عن الأعين يكون ضدّ ما قال ، فيسعى في الأرض بالفساد ، ويهلك الحرث (الزرع) ويقضي على