المناسبة :
أوضح الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أن الناس في الصلاح والفساد فريقان : فريق يفسد في الأرض ويخرب العامر ، وفريق يبغي بعمله رضوان الله وطاعته ، وأتبع ذلك هنا بأن شأن المؤمنين الاتفاق والاتحاد ، لا التفرق والانقسام ، فأمرهم بقوله : كونوا على ملة واحدة ، واجتمعوا على الإسلام واثبتوا عليه.
التفسير والبيان :
يا أيها الذين آمنوا من أهل الكتاب انقادوا إلى الله تعالى في كل شيء ، وادخلوا في الإسلام كله ، وخذوا الإسلام بجملته ، ولا تخلطوا به غيره ، وافعلوا كل ما أمركم به الإسلام من أصول وفروع وأحكام دون تجزئة أو اختيار (١) ، كالعمل بالصلاة والصيام مثلا ، وترك الزكاة والحدود ، وتناول الخمر ، وأخذ الربا ، وفعل الزنى ، ونحوه مما نراه الآن.
وحافظوا على وحدة الإسلام وجمع كلمة المسلمين ، كما قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ..) [آل عمران ٣ / ١٠٣] واحذروا التنازع والاختلاف ، كما قال عزوجل : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي قوتكم [الأنفال ٨ / ٤٦] وقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع : «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
ولا تتبعوا طرق الشيطان في التفرق في الدين أو في الخلاف والتنازع ، فهذه
__________________
(١) قال أبو حيان : إن كان الخطاب لابن سلام وأصحابه ، فقد أمروا بالدخول في شرائع الإسلام وألا يبقوا على شيء من شرائع أهل الكتاب التي لا توافق شرائع الإسلام ، وإن كان الخطاب لأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالرسول ، فالمعنى : يا أيها الذين آمنوا بأنبيائهم ادخلوا في هذه الشريعة (البحر المحيط : ٢ / ١٢٠).