ويلاحظ ما ذكرناه سابقا : أن بداية سورة البقرة إلى ما قبل آية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (١٧٢) في القرآن والرسالة ، وأن هذه الآية وما بعدها إلى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ) (٢٤٣) في سرد الأحكام العملية.
وهذه الآية بيان لمصرف ما ينفقونه.
التفسير والبيان :
يسألك أصحابك يا محمد عن مقدار ما ينفقون نفقة تطوع ، لا الزكاة الواجبة ، وعن بيان الجهة (أو المصرف) التي ينفقون فيها. فأجبهم أن أي مقدار تنفقونه قليلا كان أو كثيرا ، فثوابه خاص بكم ، وأن جهات الإنفاق : إعطاء الوالدين (الأب والأم) والأولاد ، لأنهم قرابة قريبة ، ثم بقية الأقارب ، للأقرب فالأقرب ، ثم اليتامى الذين مات كافلهم ، والمساكين الذين عجزوا عن الكسب ، ثم إعطاء المسافرين الذين انقطعوا في الطريق إلى بلادهم ، وكل ما تنفقونه في وجوه البرّ والطاعة مطلقا ، فإن الله سيجازي به ، لأنه عليم بكل شيء ، لا يغيب عنه شيء ، فلا ينسى الجزاء والثواب عليه ، بل يضاعفه.
والأصح أن هذه الآية محكمة غير منسوخة ، فهي لبيان صدقة التطوع ، لأنها لم تعين مقدار المنفق ، والزكاة الشرعية معينة المقدار بالإجماع (١).
وترتيب جهات الإنفاق يظهر فيما
رواه أحمد والنسائي عن أبي هريرة أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : تصدقوا ، فقال رجل : عندي دينار ، قال : تصدق به على نفسك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على زوجتك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على ولدك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : تصدق به على خادمك ، قال : عندي دينار آخر ، قال : أنت أبصر به.
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص الرازي : ١ / ٣٢٠