الوثيقة ، فالقتال يحتاج لبذل النفس والنفيس من المال ، والمال قرين الروح ، والإنفاق جهاد بالمال ، فناسب أن يذكر الجهاد الذي هو أسمى من بذل المال ، لأنه يستقيم به الدين ، ويحتاج إلى بذل المال والنفس.
التفسير والبيان :
فرض عليكم معشر المسلمين قتال الكفار ، فرض كفاية إن تحققت الحاجة ، فإن لم تتحقق ودخل العدو بلاد المسلمين ، كان فرض عين. قال الجمهور : أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين ، ثم استمر الإجماع على أنه فرض كفاية إلى أن نزل بساحة الإسلام ، فيكون فرض عين. وقال عطاء : فرض القتال على أعيان أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلما استقر الشرع ، صار على الكفاية (١).
والقتال مكروه لكم وشاق عليكم طبعا ، لما فيه من بذل المال وتعريض النفس إلى الهلاك ، وهذه الكراهة الطبيعية لا تنافي الرضا بما يكلف به الإنسان ، فهو قد يرضى بتناول المرّ لما فيه من النفع. ولعلكم تكرهون شيئا طبعا ، وفيه خير ونفع لكم فيما بعد ، لأن فيه إما الظفر والغنيمة ، أو الشهادة والأجر ، ومرضاة الله ، وفي الجهاد إعلاء كلمة الإسلام ورفع منارة الحق والعدل ودفع الظلم ، ولعلكم تحبون شيئا كترك القتال ، وهو في الواقع شر لكم ، لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر ، وتسلط الأعداء على بلاد المسلمين وأموالهم ، واستباحة حرماتهم ، وقد يؤدي ذلك إلى القضاء عليهم.
والله يعلم أنه خير لكم في عاجل أمركم ، ولا يأمر إلا بما فيه الخير والمصلحة لكم ، وأنتم لقصور علمكم لا تعلمون ما يعلمه الله ، فلا تركنوا إلى القعود عن واجب الجهاد ، فإنه شر لكم ، لأن الدنيا قامت على التدافع ، وبادروا إلى ما يأمركم به ربكم ، واحذروا الميل مع طباعكم وأهوائكم ، فقد سبق في علم الله أنه سيظهر دينه
__________________
(١) البحر المحيط : ٢ / ١٤٣