رضياللهعنها ، وآذوه بأنواع أخرى كثيرة من الإيذاء ، كفاه الله شرها ، كما قال تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر ١٥ / ٩٥].
الارتداد والمرتد :
إن آية (وَمَنْ يَرْتَدِدْ) أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر ، تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام. واتفق المسلمون على أن الردة تحبط أي تبطل الأعمال وتفسدها ، وهل الإحباط مشروط بالموت (١)؟.
أخذ الشافعي من الآية : (... فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) : أن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة كافرا ، وظاهر الآية يؤيده ، ويدل على أن الردة لا تحبط العمل حتى يموت صاحبها على الكفر. ورأى مالك وأبو حنيفة : أن الردة بمجردها محبطة للعمل ، حتى ولو رجع صاحبها إلى الإسلام ، اعتمادا على عموم قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر ٣٩ / ٦٥] وقوله : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام ٦ / ٨٨] وقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة ٥ / ٥] وهذه الآيات في الردة فقط ، وقد علق الحبوط فيها بمجرد الشرك ، والخطاب وإن كان للنبيصلىاللهعليهوسلم ، فهو مراد به أمته ، لاستحالة الشرك عليه. أما آية (وَمَنْ يَرْتَدِدْ ..) الواردة هنا فرتبت حكمين : الحبوط ، والخلود في النار ، ومن شروط الخلود : أن يموت على كفره.
ورأى الشافعية : أن آية (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) من باب التغليظ على النّبيصلىاللهعليهوسلم ، كما غلظ على نسائه في قوله : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب ٣٣ / ٣٠].
وتظهر ثمرة الخلاف فيمن حج ، ثم ارتد ، ثم أسلم ، فقال مالك وأبو حنيفة :
__________________
(١) أحكام القرآن لابن العربي : ١ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ، تفسير القرطبي : ٣ / ٤٨