إلى أن الخمر : هي الشراب المسكر من عصير العنب فقط. أما المسكر من غيره ، كشراب التمر أو الحنطة أو الشعير أو الذرة ونحوها ، فلا يسمى خمرا ، بل يسمى نبيذا ، فتكون آية تحريم الخمر مقتصرة عليها ، وأما الأشربة المسكرة الأخرى وهي الأنبذة فالقليل منها حلال ، والكثير المسكر منها حرام بالسنة النّبوية.
وذهب الجمهور (غير أبي حنيفة) وأهل الحجاز والمحدثون : إلى أنها الشراب المسكر من عصير العنب وغيره ، فكل مسكر من عصير التمر ، والشعير والبر خمر. وإذا كانت الخمر اسما لكل ما أسكر ، كان تحريم جميع المسكرات قليلها وكثيرها بنص القرآن.
واحتج الفريق الأول باللغة والسنة : أما اللغة : فإن الأنبذة لا تسمى خمرا ، ولا يسمى الشيء خمرا في اللغة إلا النيء المشتد من ماء العنب.
وأما السنة : فحديث أنس بن مالك عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الخمر بعينها حرام ، والسّكر من كل شراب» وفي رواية عن علي : «حرمت الخمر بعينها ، والسكر من كل شراب» (١) والسكر : كل ما يسكر ، ويطلق على نبيذ الرطب. قالوا : ومما يدل على أن قليل الأنبذة ليس بحرام أن الله ذكر في علة تحريم الخمر العداوة والبغضاء ونحوها بقوله : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) [المائدة ٥ / ٩١] وهذه المعاني لا تحصل إلا بالسكر ، فلا يحرم من المسكرات إلا القدر المسكر ، لأنه هو الذي توجد فيه هذه العلة.
واحتج الفريق الثاني باللغة والسنة الثابتة :
أما اللغة : فلأن الخمر تطلق لغة على ما خامر العقل أي ستره ، وهذه الأنبذة
__________________
(١) أخرجه النسائي والدار قطني موقوفا على ابن عباس ، وقال الدار قطني : وهذا هو الصواب عن ابن عباس ، لأنه قد روي عن النّبي صلىاللهعليهوسلم : «كل مسكر حرام».