ولو شاء الله أن يضيق عليكم ويشدد بأن يوجب الاعتزال وعزل أموال اليتامى عن أموالكم ، لفعل ذلك ، ولكنه ينظر للمصلحتين : مصلحة اليتيم ، ومصلحة التيسير ودفع الحرج ، فشأنه تعالى الأخذ باليسر ، كما قال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة ٢ / ١٨٥] وقال : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج ٢٢ / ٧٨].
وهو تعالى القوي الذي لا يغلب ، فهو قادر على أن يكلف بالشاق من الأعمال ، ولكنه حكيم في صنعه لا يكلف إلا ما فيه الطاقة كما قال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة ٢ / ٢٨٦].
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت هذه الآية على جواز التصرف في أموال اليتامى على وجه الإصلاح ، فيجوز لولي اليتيم أن يتاجر بأموال اليتامى بيعا وشراء ومضاربة وقسمة وأن يكون الولي نفسه هو المضارب.
وأن يخلط ماله بماله إذا توافر الصلاح ومراقبة الله في الأعمال ، وبعد عن الفساد والإفساد ، خلافا لما عليه أكثر الأوصياء على اليتامى.
قال الجصاص الرازي : دل قوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) على إباحة خلط ماله بماله ، والتصرف فيه في الصهر والمناكحة ، وأن يزوجه بنته ، أو يزوج اليتيمة بعض ولده ، فيكون قد خلط اليتامى بنفسه وعياله ، واختلط هو بهم ، والدليل : هو إطلاق لفظ المخالطة.
وإذا كانت الآية قد دلت على جواز خلط مال اليتيم بماله في مقدار ما يغلب في ظنه أن اليتيم يأكله ، على ما روي عن ابن عباس ، فقد دلت على جواز المناهدة (١) التي يفعلها الناس في الأسفار ، فيخرج كل واحد منهم شيئا معلوما ،
__________________
(١) المناهدة : الأكل الجماعي المشترك من زاد السفر المختلط.