والمعنى الثاني : لا تتعرّضوا كثيرا للحلف بالله من أجل إرادة البرّ والتقوى والإصلاح بين الناس ، لما في كثرة الحلف بالله من استخفاف واستهانة وتجرؤ على الله ، وعلى المؤمن تعظيم الله تعالى وتوقيره ، والابتعاد عن اليمين قدر الإمكان ، سواء أكان الحالف صادقا أم كاذبا ، فكان صاحب الورع مثل عمر والشافعي لا يحلف بالله ذاكرا ولا آثرا عن غيره ، فتكون الآية للنهي عن كثرة الحلف بالله ، وابتذاله في الأيمان ، توفيرا للثقة بكلام المتكلم بدون يمين ، قال الله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) [القلم ١٠٦٨].
هذا في اليمين المنعقدة التي يلزم فيها الكفارة بالحنث فيها : وهي على الموسر : إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد وهو المعسر الفقير فيصوم ثلاثة أيام. وقد أخبر تعالى أنه يؤاخذ على ما كسبت القلوب أي قصدت إيقاع اليمين ، والمؤاخذة بالكفارة أو العقوبة عند عدم الكفارة ، حتى لا يتخذ اسم الله عرضة للابتذال وتوفيرا لتعظيمه ، أو مانعا من صالح الأعمال.
أما اليمين اللغو : فأخبر تعالى أنه لا مؤاخذة ولا عقاب ولا كفارة عليها بالحنث ، لصدورها عن غير قصد اليمين ، لأن الله غفور لعباده ، فلا يؤاخذهم بما لم تقصده قلوبهم ، ولم يكلفهم بما يشق عليهم ، لحصوله دون اختيار.
ويمين اللغو عند الشافعيّة : هي التي تجري على اللسان دون قصد الحلف ، مثل قول الشخص : لا والله ، بلى والله. وإن عدم المؤاخذة عليها : هو عدم إيجاب الكفارة بها.
وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد : هي أن يحلف على شيء يظنه أنه حصل ، ثم يظهر خلافه ، وبعبارة أخرى : اللغو : ما يحلف به على الظن ، فيكون بخلافه. فهذا لا مؤاخذة فيه ، أي لا يجب تكفيره. وأما ما يجري على اللسان من غير قصد فتجب فيه الكفارة.