أنفسهن على الصبر والانتظار لإتمام تلك المدة ، حتى تنقضي العدّة ، فلا يسايرن أهواءهن وشهواتهن ، إذ قد تكون أنفسهن تواقة إلى سرعة انقضاء العدّة ، والتزوّج بزوج آخر. وفي هذا التعبير لفت نظر لطيف ، فيه تعظيم وتبجيل ، إذ لم يؤمرن بذلك أمرا صريحا.
وحكمة هذا التربّص : هو التعرّف على براءة الرحم ، فلا تختلط الأنساب ، لذا لا يحلّ للنساء أن يكتمن شيئا مما في أرحامهن من حمل أو حيض ، وإن طالت العدة للتزوج بزوج آخر ، ولا يحلّ لهنّ الكذب بكتمان الحيض أيضا لأجل استدامة النفقة ما دمن في العدّة ، وقد جرت المحاكم الآن على أن أقصى العدّة سنة قمرية ، كما هو مذهب مالك رحمهالله تعالى.
وذلك إذا كنّ مؤمنات إيمانا صادقا بالله وباليوم الآخر ، فلا يخفى على الله شيء ، ويحاسب كل إنسان على قوله وفعله يوم القيامة ، مما يقتضي أن تكون المرأة أمينة على ما في رحمها ، فإن لم تكن أمينة لعدم إيمانها الكامل أضلّت نفسها وغيرها. وفي هذا تهديد شديد ووعيد لهن على خلاف الحق ، مما يدل على أن المرجع في هذا إليهن ، لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهن ، ويتعذر إقامة البيّنة غالبا عليه ، فردّ الأمر إليهن وتوعدن فيه لئلا يخبرن بغير الحق ، إما استعجالا منها لانقضاء العدّة ، أو رغبة منها في تطويلها ، لما لها في الحالين من المقاصد ، فأمرت أن تخبر بالحق في شأنها من غير زيادة ولا نقصان.
وأزواجهن في حال الطلاق الرجعي أحقّ برجعتهن إلى بيت الزوجية ، في مدة العدّة ، حرصا من الشرع على إبقاء الرابطة الزوجية السابقة ، فليس هناك من الحلال أبغض عند الله من الطلاق ، وعلى المرأة الاستجابة إلى طلب الزوج الرجعة ، بشرط أن يكون المقصود بالرجعة : الإصلاح والخير للزوجين. أما إذا كان القصد هو الانتقام والإضرار ومنعها من الزواج بآخر ، حتى تكون كالمعلّقة ،