بيت ربه الذي بناه جدّه إبراهيم مع ابنه إسماعيل ، فجاء التحويل موافقا لما يرونه ، ودحضت حجة الفريقين ، ومن ورائهم المنافقون.
لكن الذين ظلموا أنفسهم منهم بالعناد وهم مشركو قريش الذين لا يهتدون بكتاب ، ولا يؤمنون ببرهان ، لأنهم السفهاء ، لا تخشوهم في توجهكم إلى الكعبة ، لأن كلامهم لا يستند إلى دليل معقول ، واخشوا صاحب الحق وحده.
ومن أقاويل هؤلاء الظالمين الضالين : أن اليهود قالوا : ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا لدين قومه ، وحبا لبلده ، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء قبله. وقال المشركون : رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا ، وقال المنافقون : إنه غير مستقر على قبلة ، بل هو متردد مضطرب. وكل تلك الآراء لا حجة صحيحة فيها ، ولا برهان يقبله العقل منها ، وإنما هي جدل في دين الله ، وذريعة إلى عدم الإيمان برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فاثبتوا أيها المؤمنون على قبلتكم ، ولا تخشوا الظالمين في توجهكم إلى الكعبة ، لأن كلامهم لا سند له من عقل أو هدي سماوي.
واخشوا الله ، فلا تخالفوا ما جاءكم به رسول الله ، فهو المنفذ لما وعدكم به ، وفي هذا إشارة إلى أن المحق هو الذي يخشى جانبه ، وأما المبطل فلا يؤبه له.
٢ ـ (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) بتخصيصكم بقبلة مستقلة في بيت ربكم الذي بناه جدّكم إبراهيم ، وطهّره من عبادة الأصنام والأوثان ، وجعل أفئدة الناس وشعوب العالم تهوي إليه ، وتكون سببا في تحقيق منافع مادية ومعنوية لا حصر لها ، وجعل محمد بن عبد الله نبيا عربيا من ولد إبراهيم ، وإنزال القرآن عليه بلسان عربي مبين ، وظهوره في العرب بين أهله وعشيرته الذين أحبوا أن تكون وجهتهم الكعبة ، فكان التحويل إلى الكعبة نعمة تامة من الله على المسلمين والعرب.
٣ ـ (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي ولتهتدوا بالثبات على الحق وعدم المعارضة