فيه ، فإن الفتنة التي أثارها السفهاء بتحويل القبلة أظهرت قوة الحق والإيمان ، وضعف الباطل والكفر ، ومحّصت المؤمنين ، وأظهرت المنافقين ، وخذلت الكافرين.
والخلاصة : لقد أتم الله نعمته عليكم باستقلالكم بالبيت الذي جعله قبلة لكم ، كما أتمها عليكم بإرسال رسول منكم : وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، يتلو عليكم الآيات التي ترشد إلى الحق ، وتهدي إلى سبيل الرشاد ، ويقيم لكم الأدلة القاطعة على وحدانية الله وعظيم قدرته ، ويطهركم من رجس الوثنية ، ويعلمكم ما به تسمو نفوسكم ، وتزكو ، من أشرف العلوم ، واحترام العقل ، ونبذ التقليد الأعمى ، وجعل الدين عاصما من كل زيغ وانحراف ، كما أنه يطهر نفوسكم من عادات الجاهلية القبيحة مثل وأد البنات ، وقتل الأولاد تخلصا من النفقة ، وسفك الدماء لأوهن الأسباب.
ويعلمكم القرآن الكريم ، ويبين لكم الأحكام الشرعية ، والأسرار التشريعية التي من أجلها كان القرآن هدى ونورا.
ويعلمكم أيضا الحكمة : وهي معرفة أسرار الأحكام وغاياتها ، وبواعثها على العمل والطاعة ، كما يعلمكم السنة النّبوية والسيرة الحميدة في شؤون الحياة في السلم والحرب ، والقلة والكثرة ، والسفر والإقامة. حتى أصبح أصحاب النّبي الذين أطلعهم على أسرار التشريع وفقه الدين حكماء علماء أذكياء ، وصار الواحد منهم يحكم البلاد ، ويقود الأمة ، ويقيم فيها العدل ويحسن السياسة ، وهو لم يحفظ من القرآن إلا بعضه ، لكنه عرف سرّه ، وفقه غايته.
ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من أخبار المغيبات ، وسير الأنبياء ، وقصص الأقوام الغابرة ، وأحوال الأمم البائدة أو التي كانت مجهولة عند العرب ، وغيرهم من أهل الكتاب أيضا. لهذا ندب الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ، ومقابلتها بذكره وشكره ، فقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).