ومدة الرضاع الكاملة حولان كاملان عند اختلاف الزوجين في تحديد المدة القصوى التي تجب فيها أجرة الرضاع. ويجوز اتفاقهما على أقل من ذلك من غير مضارّة الولد. وقوله تعالى : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً) دليل على جواز الاجتهاد في الأحكام بإباحة الله تعالى للوالدين التشاور فيما يؤدي إلى صلاح الصغير ، وذلك موقوف على غالب ظنونهما ، لا على الحقيقة واليقين. وإذ أرشد القرآن إلى التشاور في أدنى الأعمال لتربية الولد ، فهو مطلوب بالأولى في أجلّ الأعمال خطرا وأعظمها فائدة ، وهي مشورة الحكام في مصالح الأمة ، لذا أمر الله رسوله بمشاورة أصحابه قائلا : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران ٣ / ١٥٩] ومدح المؤمنين بقوله : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) [الشورى ٤٢ / ٣٨].
ودل قوله سبحانه : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) على جواز اتخاذ الظئر (أي استئجار المرضع) إذا اتفق الآباء والأمهات على ذلك ، ويجب حينئذ تسليم الأجرة إلى المرضعة الظئر لقوله تعالى : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ ..)
والأصل أن كل أم يلزمها رضاع ولدها ، كما أخبر الله عزوجل ، فأمر الزوجات بإرضاع أولادهن ، وأوجب لهن على الأزواج النفقة والكسوة والزوجية قائمة ، فلو كان الرضاع على الأب لذكره مع ما ذكر من رزقهن وكسوتهن ، إلا أن مالكا رحمهالله دون فقهاء الأمصار استثنى الحسيبة كما بينا ، فقال : لا يلزمها رضاعه ، فأخرجها من الآية ، وخصصها بأصل من أصول الفقه ، وهو العمل بالعادة : وهو ما كان عليه عرب الجاهلية ، فجاء الإسلام ولم يغيره ، واستمر ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمّهات للمتعة ، بدفع الرّضعاء للمراضع إلى زمن مالك فقال به ، وكذا إلى زماننا (١).
وجاء الأمر الإلهي بإرضاع الأمهات أولادهن على مقتضى الفطرة ، فأفضل
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٣ / ١٧٢