كُنْ فَيَكُونُ) [يس ٣٦ / ٨٢]. وهذا تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرّض للشهادة ، وأن الموت إذا لم يكن منه بدّ ، ولم ينفع منه مفرّ ، فأولى أن يكون في سبيل الله (١). وقال أبو حيان : وفي الكلام حذف ، التقدير : فماتوا ، وظاهر هذا الموت : مفارقة الأرواح الأجساد ، قيل : ماتوا ثمانية أيام ، وقيل : سبعة أيام (٢).
وعلى أي حال فقد وقع الموت والإحياء فعلا ، كما يدل عليه ظاهر الآية ، والله على كل شيء قدير ، وتكرر مثل هذا في زمان بني إسرائيل وغيرهم في قصص القرآن.
وإذ لم تثبت الروايات المنقولة في سبب خروج القوم ، أهو الفرار من الحمّى أو الطاعون ، أو الفرار من الجهاد ، فإني أرى أن المعنى ما رآه الطبري : وهو أن الله تعالى أخبر نبيه محمداصلىاللهعليهوسلم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر ، خرجوا من ديارهم فرارا من الموت ، فأماتهم الله تعالى. ثم أحياهم ، ليروا هم وكلّ من خلف من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى ، لا بيد غيره ، فلا معنى لخوف خائف ، ولا لاغترار مغتر. وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم بالجهاد.
إن الله لذو فضل على الناس فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة ، وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ، أو لذو فضل عليهم فيما ابتلاهم به من الطاعون أو المرض أو العدو ، ليعتبروا ويتعظوا ويأخذوا من المصائب عبرة ودرسا في الإيمان ، أو فيما تتمخض عنه الحوادث من تصفية وصقل وتمييز الخبيث من الطيب ، لأن الحوادث تنبت الرجال ، وتحيي الأمة ، وتوقظها من رقادها ، وتنبهها إلى أخطائها ومفاسدها.
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٢٨٦
(٢) البحر المحيط : ٢ / ٢٥٠