ونفي الإثم والحرج أو الجناح عن السعي يشمل الواجب والمندوب ، كما أن التطوع وهو فعل الطاعة يشمل الفرض والنفل. والسر في التعبير بنفي الجناح ، مع أن السعي فرض عند الجمهور ، وواجب عند الحنفية : هو لبيان خطأ المشركين الذين كانوا ينكرون كون السعي من الشعائر ، وأنه من مناسك إبراهيم ، وأنه لا مانع منه في الإسلام لتغير قصد الطائفين ، ونفي الجناح لا ينافي الإيجاب المقرر شرعا.
وأما التعبير بالشعائر : وهي ما تعبّدنا الله به كالصلاة ومناسك الحج ، فللدلالة على وجوب التنفيذ والطاعة ، وممارسة العبادة ، وإن لم نفهم معناها تمام الفهم ، أو ندرك سرها ، ولا يقاس عليها غيرها. أما غير الشعائر كالمعاملات من بيع وإجارة وشركة ورهن ونحوها ، فهي مشروعة لمصالح البشر ، ولها علل وأسباب يسهل فهمها وإدراك مقاصدها ، فيجري فيها القياس بحسب المصلحة.
وإقامة شعائر الحج فرض في العمر مرة ، ومن تطوع خيرا بأن أكثر من الطاعة وزاد عن الواجب الأصلي ، فإن الله يجازيه على الإحسان إحسانا ، ويثيب على القليل بالكثير ، فلا يبخس أحدا ثوابه ، وهو عليم بقصده وإرادته وبمن يستحق هذا الجزاء.
وفي التعبير عن الجزاء الحسن بالشكر تربية على فضائل الأخلاق ، إذ إن منفعة عمل العبادة عائدة إليهم ، وهو مع ذلك قد شكرهم عليه ، فهل يليق بعدئذ كفران النعمة الإلهية وعدم شكرها؟! إن شكر المعروف وتقدير النعمة سمة أهل الوفاء والإخلاص ، بل هو سبب لزيادة النعمة ودوامها وإسبال الستر الإلهي على العبد الشاكر الطائع.
وقد حمل العلماء الشكر على الثواب والجزاء بطريق المجاز ، لأن الشكر بمعنى مقابلة الإحسان والنعمة بالثناء والتقدير محال على الله ، إذ ليس لأحد عند ربه