ويوم القيامة يتبرأ المعبودون من عابديهم ، فتقول الملائكة مثلا : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص ٢٨ / ٦٣] ويقولون : (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ ، بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) [سبأ ٣٤ / ٤١] والجن أيضا تتبرأ منهم ويتنصلون من عبادتهم لهم ، كما قال تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ ، كانُوا لَهُمْ أَعْداءً ، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) [الأحقاف ٤٦ / ٥ ـ ٦] وقال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم ١٩ / ٨١ ـ ٨٢].
ويتبرأ العابدون أيضا من معبوديهم ، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا حتى يعملوا صالحا ويتبرءوا من الآلهة المزعومة. بل إنهم يطلبون من الله مضاعفة العذاب لهم كما قال الله تعالى : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ : يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا. وَقالُوا : رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) [الأحزاب ٣٣ / ٦٦ ـ ٦٨].
وهم في هذا التمني كاذبون ، بل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنهم لكاذبون ، كما أخبر الله تعالى عنهم.
ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين من كلا الفريقين : العابدين والمعبودين ، ويظهر الله لهم أعمالهم الفاسدة التي ارتكبوها ، فوجبت لهم النار ، وقال ابن مسعود والسّدّي: «الأعمال الصالحة التي تركوها ، ففاتتهم الجنة». وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث إنهم مأمورون بها. وأما إضافة الأعمال الفاسدة إليهم فمن حيث عملوها.
وقوله : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) دليل على خلود الكفار فيها ، وأنهم لا يخرجون منها ، كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف ٧ / ٤٠].