أخشى خلقك لك أعلمهم بك (١).
فاذا كان مدار الخشية معرفة المخشى ، كانت الخشية له سبحانه وتعالى على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله فمن كان أعلم به تعالى كان أخشى له عزّوجلّ.
وقال عليه السلام : البكاء من خشية الله مفتاح الرحمة ، وعلامة القبول ، وباب الإجابة (٢).
وفي الحديث : قال عليه السلام : «إذا بكى العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه الذنوب كما يتحات الورق فيبقى كيوم ولدته اُمّه (٣).
ولعظيم خشيته صلى الله عليه واله في صلاته يقول مطرف بن عبدالله بن الشخير في رواية له عن أبيه ، قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه واله وهو يصلّي ، ولجوفه أزيز (٤).
كأزيز المرجل من البكاء (٥) وهو إشارة إلى تردّد صوت بكاء الرسول صلى الله عليه واله في صدره الشريف واختناقه بعبرته ، ولمدى تعلّقه بالله وإنشداده إليه عن طريق الصلاة أشار صلى الله عليه واله في حديثه لأبي ذر الغفاري رضى الله عنه : يا أباذر! إنّ الله تعالى جعل قرّة عيني في الصلاة ، وحبّبها إلىّ ، كما حبّب إلى الجائع الطعام ، وإلى الظمآن الماء ، فإنّ الجائع إذا أكل الطعام شبع ، وإذا شرب الماء روى ، وأنا لا أشبع من الصلاة (٦).
ولعظيم شوقه للوقوف بين يدي الله في الصلاة ، أنّه صلى الله عليه واله كان ينتظر وقت الصلاة ويشتدّ شوقه ، ويترقّب دخوله ، ويقول لبلال مؤذنه :
__________________
١ ـ صحيفة السجاديّة : ص ٢٧٦ ، الدعاء الثاني والخمسون في الإلحاح.
٢ ـ إرشاد القلوب : ص ٩٨.
٣ ـ إرشاد القلوب : ص ٩٨.
٤ ـ أزيز المرجل : صوت غليان الماء في الإناء.
٥ ـ لسان العرب : ج ٥ ، ص ٣٠٧.
٦ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ص ٥٢٨ ، ح ١ ، باب ١٩.