الحياة العليا وهم في الدنيا ، واما المتقون ككل فلا يدركون هنا الا مثل الجنة التي وعدوا ومنه : الأنهار الاربعة من الطف ما يشرب ومن كل الثمرات مما يؤكل ومغفرة من ربهم وهي ارفع وأعلى فانه رضوان من الله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ).
(فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) آية وحيدة بين آي الأنهار في الجنة ، الواصفة لمياهها ب (غَيْرِ آسِنٍ) : لا يتغير بطول المكوث ، ولا نجد عندنا هكذا ماء ، اللهم إلا ماء زمزم لحد ما ، فهو مثل للماء غير الآسن في أنهار الجنة (١) فليست الآخرة دار تغير ، وإنما هي دار خلود ، ولا سيما بجناتها باهليها ورزقها ، فالجنة بتمامها غير آسنة ، حتى وبالنسبة للبنها ، وطبيعة اللبن ان يتغير لفترة قليلة! : (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) : خلاف البان الدنيا وحتى إذا عالجتها لتبقى ، في ثلاجات ام ماذا ، فانها تفقد البعض من خواصها وطعمها وقد تسمم! ولم يذكر اللبن في القرآن إلا هنا للأخرى وإلا أخرى للأولى : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) (١٦ : ٦٦) وعلّه لأنه ألطف ما يشرب بعد الماء وأقربه للتغير ، فإذ لا يتغير لبن الجنة فغيره أولى بعدم الغيار. وإذا كان الماء شرابا يروي ، فاللبن يطعم كما يروي ، وفيه الكثير من الخواص المنبثة في مختلف الأكل.
(وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) : انها لذة الأبدان والعقول ، وليست ذلة للعقول ، فانها لا تخمر العقول وتحجبها ، وإنما تخمر بقايا الجهل والخمول عن ذكر الله ، ف (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٣٧ : ٤٧) لا يهلك ولا ينزع العقل : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) (٥٦ : ١٩) ولا فيها صداع الرأس ،
__________________
(١) وكما نقل الكثيرون وجربنا ان ماء زمزم لا يتغير ولو طال في مكان مكشوف طوال سنين!.