خلاف خمر الدنيا ، فهي لا تحمل من خمر الدنيا إلا اسما (١) ثم هي (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) : في العقل والروح ، في المنظر والطعم ، في الجسم والصحة : (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) (٥٢ : ٢٣).
(وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) : خالص عن كل أذى : من شمع أو رغوة أو قذى ، او لذعة من نحلة أم ماذا؟ مما يوجد في عسل الدنيا مصفى وغير مصفّى ، ، فأين (أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) من عسل في الدنيا الذي لا تحصل على قليل منه إلّا بكثير من تعب وأذى؟! ترى بينهما من البون لحد لا يكاد يسمى ما في الدنيا عسلا ، وانما (شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) (١٦ : ٦٩) ثم ولا يوجد عسل في القرآن إلا هنا للجنة (مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)!. ويا لها من طراوة ونضارة أن تجري هذه الأنهار الأربعة في جنة المتقين دونما انقطاع ولا عزوب :
(وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أنضرها وأطراها وأبقاها.
ثم واكبر من كل ذلك : (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) هي جنة رضوان (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) (٥٧ : ٢٠) (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٩ : ٢٧) هو أكبر من (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ...) (٩ : ٧٢).
فجنة المغفرة الرضوان هي أكبر الجنات ، يكتفي بها أهل الله المخلصين ولو لم تكن وراءها جنات ، وهم القلة القليلة من عباد الله ، ولذلك تأتي قليلا في آيات الجنات ، الكثيرة في ذكريات سائر الجنات.
(كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً)؟
__________________
(١) راجع ص ٢٢٦ ـ الفرقان حول الآية «يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ» وسورة الواقعة حول الآية «لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ».