في الحق ان الذنب لا يعني العصيان أيا كان ومن أي كان ، وانما هو ذنب الفعل وتبعته الصعبة وعقباه الخطرة ، في الدنيا أو الآخرة ، فذنب الآخرة هو العصيان الذي ذنبه العذاب ، وذنب الدنيا هو الدعوة إلى الله الذي ذنبه دوائر السوء من الطغاة المعارضين للدعات ، إذ يتربصون الدوائر بأصحاب الدعوة الإلهية هتكا وفتكا وطردا وقتلا ، وكلما كانت الدعوة أثقل فذنبها التبعة أعضل ، فالاستغفار عنه أشكل : أن يطلب الغفر والستر عما يعرقل الدعوة أو يفتك بالداعية ، كما غفر الله ذنب محمد بما فتح مكة : ان حسم مواد الشرك والضلالة فانحسمت عنه عرقلات الدعوة.
فلكل نبي أو صاحب دعوة إلهية تبعة عبر الدعوة هي ذنبه لمعارضيه ، كما كان لآل فرعون على موسى : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (٢٦ : ١٤) وما ذنبه لهم إلا قتله القبطي المقاتل للإسرائيلي ولا يحرم وكز الكافر المقاتل دفاعا عن المؤمن القاتل (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) : أن صادف قتله.
فالذنب منه طاعة ومنه معصية ، ففريق في الجنة وفريق في السعير ، دون ما يزعمه الكافرون الذين يتشبثون بآيات الذنب كهذه فيهتكون حرمات المرسلين : انهم عاصون ، ولا ما يخيل إلى سواهم زعم العصيان فيأخذون في تأويلاتهم وتوجيهاتهم يمنة ويسرة ، بكل تعسف وعسرة ، ولكي يذودوا عن ساحة الرسول ، ما القرآن ينسبه إليه من عصيان!.
فعبثا يحاول هؤلاء وهؤلاء تفسير الذنب أو تأويله ، إلا أن يثوبوا إلى ما يعنيه في الأصل فيتوب الكافرون ، ويعلم المؤمنون انه بالنسبة للمرسلين من أعظم الطاعات ، فالرسالة ذنب ، والدعوة إلى الله ذنب ، والجهاد في سبيل الله ذنب : فانها تخلف دوائر السوء ، وأذناب العراقيل ممن يعارضون دين الله ، فأصحاب الدعوة هم بحاجة إلى الاستغفار من ذنوبهم : أن يطلبوا غفر الله وستره