(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) كلها «فيحفكم» : يجهدكم ويحملكم مشقة البذل ككلّ ، مغبة ذلك الأجر ، «تبخلوا» عن ذلك الإنفاق الإجهاد «و» من ثم «يخرج» الله «أضغانكم» أحقادكم خلاف أمر الله ، بما يخرجها بخلكم عن إنفاقها كلها في سبيل الله (١) ولكن الله لا يريد إحفاءكم فتفضحوا ، حكمة منه وفضلا ورحمة ، فإن أحكامه تتماشى مع الفطرة ، دون أن تتمادى على الفطرة ، وهي تتناسق مع أنظمة الحياة ومناهجها وقواعدها ، فإنها إنسانية الطاقة ورحمانية الإناقة العملاقة ، ولكي تربي الإنسان بتكاليف دون الطاقة.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) :
«ها أنتم» المؤمنين المتقين! انتبهوا ـ تركنا سؤال جميع أموالكم إلى بعضها : (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا) من فضلها الزائد عن ضرورات الحياة (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) ومنكم من لا يبخل (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) لا عن الله ، ولا عن عباد الله ـ فإنه يقطع عن نفسه رصيد الإنفاق ، الذي ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ومن قبل ينفعه في إزالة الأشواك عن صراط الايمان ، تعبيدا للسبيل إلى الله بإبادة أو تسكيت أعداء الله ، وتبديدا لأشواك البخل عن البذل ، فإنما يبخل البخيل أرصدة كهذه الغالية الكريمة عن نفسه ، دون الله ـ ف (وَاللهُ الْغَنِيُ) لا سواه (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) دون الله ، فهو إذ يسألكم إنفاقا في سبيل الله ، ليس لفقره إليكم ، فإنما سبيل الله هي سبيل صالح الحياة ، التي ليست
__________________
(١) ففاعل «يخرج» هو الله ، وهو البخل ـ فالله لا يخرج أحقادهم إلا ببخلهم الظاهر عند سؤال كل الأموال.