بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) (٥ : ٥٢).
وفي حين أن فرض القرآن نشرا وتطبيقا لزامه فتح مبين ، أن يرجع الداعية إلى معاد الدعوة : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٨ : ٨٥) وكما يرى رؤياه المبشرة بما وعد ويصدقها الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً).
وإن هذا الفتح المبين هو المحبّب للمؤمنين : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٦١ : ١٣) كما وانها منتظرة لبعض الكافرين ، فلقد كانت أحياء العرب تنتظر بإسلامها فتح مكة قائلين : (إن ظهر محمد على قومه فهو نبي) فلما فتح الله مكة دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض من فتح مكة سنتان حتى استوثقت الجزيرة إيمانا ولم يبق في سائر العرب إلا مظهر للإسلام والحمد لله.
ولقد نزلت سورة الفتح قبل سورة النصر ، وبعد بشارات الفتح والنصر ، بشارات وإشارات تتلاحق منذ الهجرة في طياتها ، وإلى صلح الحديبية وإلى أن فتحت مكة فكان ما كان.
ترى أن سورة الفتح ـ إذا ـ تحمل بشارة فتح خيبر؟ وما هو بجنب فتح الفتوح إلّا قطرة في يم ، أو حلقة في فلاة فيّ!؟ وإن كان له موقعه في الجزيرة ، فإن اليهود هناك كانت البقية الباقية من كفار الجزيرة ، سوى مشركي مكة.
أم إنه صلح الحديبية ، رغم أنه صلح وليس حربا ، خلاف ما زعمه الخليفة عمر ، إذ يواجه رسول الهدى في حمية بعد الصلح ، بقوله : «فلم تعطي الدنية في ديننا؟!» فيجيبه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قائلا : «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره