إنها حالة روحانية إيمانية (١) تنزل على قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم واطمئنانا مع اطمئنانهم ، تستكن فيها فتطمئنها وتسكنها (٢) عما ربما تردها من فورات واضطرابات تجيش بشتى المشاعر وتستجيش مختلف المظاهر ، إذ تلقي ظلالا كريمة على هذه القلوب من نور ، فتصبح نورا على نور فتظل في ظلها طمأنينة وراحة ، يقينا وثقة ، زيادة عما كان من الإيمان.
فلا مهبط ـ إذا ـ لسكينة الايمان إلا الإيمان على درجاته وجنباته وحالاته ، ويشترك فيها المؤمنون أجمع ، كلّ حسب قابلياته ومتطلباته ، نزولا من أعلى الإيمان كما للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الى أدناه كما لأدنى المؤمنين ، وصعودا من أدناه الى أعلاه وبينهم متوسطات ، فلا تشذ قلبا من هذه وتلك إلا وتنزل فيه (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ).
إن السكينة في القرآن نجدها في صنوف مثلثة من الآيات : بين نازلة على المؤمنين كما في ثلاث : هذه ، وأخرى هنا (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١٨) وثالثة : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ..) (٢ : ٢٤٨).
وبين شاملة للرسول والمؤمنين في اثنتين : هنا وفي التوبة : فأنزل الله ـ (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ ـ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٢٦) (٩ : ٢٦).
وبين خاصة بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في التوبة ـ ايضا ـ تاركة صاحبه في الغار دون أية سكينة : (.. إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ..) (٩ : ٤٠).
__________________
(١) تظافرت الأحاديث عن الصادقين عليهما السلام بكلمة واحدة ان «السكينة هي الايمان».
(٢) هي الفعلية بمعنى الساكنة او المسكونة لأنها تلازم القلب وتسكن فيه لتسكّنه عن اضطراب.