ترى لماذا يحرم هذا اليتيم في هذه اليتيمة عن السكينة وهو صاحبه صلّى الله عليه وآله وسلّم في الغار ، وعلى أمسّ الحاجة إليها إذ حزن لحد نهاه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عنه : «لا تحزن» في حين تنزل على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يحزن؟! (١) انا لا ادري!
ثم : الإيمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل .. حالات درجات وطبقات ومنازل ، فمنه التام المنتهي تمامه ، ومنه الناقص المبيّن نقصانه ، ومنه الراجح الزائد رجحانه : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ..) (٩ : ١٢٤) (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
__________________
(١) قد يذاد هنا عن ساحة الخليفة بأنه النازل عليه السكينة هنا فانه الذي حزن ولكي تكمل صحبته بإيمانه ـ وترى كيف يختص الله أبا بكر بسكينته وإنزال جنود عليه غير مرئية وجعله كلمة الله العليا ـ ثم يحرم رسوله عن هذه وتلك ، وهو الذي تنزل عليه سكينة العصمة والطمأنينة دوما ـ مع المؤمنين ومنفردا كما مضت آياته.
ثم ترى من هو المضمر في «إلا تنصروه» إلا الرسول (ص) فهو هو إذا المنصور في الغار «من داخل قلبه» : بانزال السكينة عليه «ومن خارجه» بتأييده بجنود غير مرئية ، وجعله كلمة الله العليا : (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ ..) ولم يأت ذكر الخليفة أبي بكر إلا هامشيا (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) ثم نرى ان الرسول هو ركن الكلام هنا وهناك «١ ـ الا تنصروه ٢ ـ فقد نصره الله ٣ ـ إذ أخرجه .. ٤ ـ ثاني اثنين ٥ ـ إذ يقول ٦ ـ لصاحبه ..» وبعد هذه الستة الصريحة في الرسول (ص) ما هذا الذي يحول وجه الكلام ونتيجة النصرة : («فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ... وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا») يحول هذا المثلث البارع من نصر الله الموعودة المحققة ـ عنه الى صاحبه ، أتحويلا لمهمة الرسالة عن الرسول (ص) الى صاحبه في الغار ترفيعا لساحة الخليفة ، وتخفيضا لساحة الرسالة.
او تحفظ الكرامتين ان «عليه» هو صاحبه الذي نزلت عليه السكينة ثم (أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ..) هو الرسول المؤيد بجنود مرئية ـ ولكنك تحط من كرامة الفصاحة القرآنية : إن ضميرين تلو بعض كل يرجع إلى كل منهما دون قرينة تدل! أللهم إلا أن تحسبهما واحدا كأن الرسول هو صاحبه ، فليفرد ضميرهما ويردفا؟ أنا لا ادري! ولا يمكن تفهم معنى الآية إلّا بعد التحلل عن التعصبات الراسبة!.