صدهم : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (٢٩ : ٣٨) وهكذا يتعامل الشيطان مع أولياءه ، ثم الله يتركهم في غيّهم يتردّون وفي عيّهم يترددون فيسمى تركه لهم في هذه المهالك تزيينا منه : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) (٢٧ : ٤) وفي الحق لم يزينها لهم إلا كفرهم وزيغهم (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ثم تركهم والشيطان يزين لهم أعمالهم : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٤٣ : ٣٦).
ففاعل الظن السوء هم أنفسهم بكفرهم ، والمزين لهم ظنهم هو الشيطان القرين لهم بما عاشوا كفرا وعشوا عن ذكر الرحمان ، وهو الله بما لم يحل بينهم وبين الشيطان أن يزين لهم ، وأن تركهم في طغيانهم يعمهون.
لهذا وذاك خسرتم أولاكم وأخراكم (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)(١) : فسادا أو هلاكا ، مصادر البوار ومعادن الهلاك والفساد ، كينونة تتبنى حياتكم كأنكم الهلاك نفسه والفساد نفسه ، والبور الماضي ـ في الحياة الدنيا ـ دائما هي بور في الحياة الأخرى : نتيجة طبق الأصل : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) : طبق الأخرى عن طبق الأولى (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً): (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (٣٥ : ١٠).
فنسيان ذكر الله ، ومن ثم الظن السوء بالله وبرسول الله ، هما الأساس في كونهم قوما بورا : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (٢٥ : ١٨).
ثم هب انهم بظنهم السوء ان لا غلب للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تخلفوا عن الخروج معه ، فلما ذا بعد استحالة الرجوع إلى أهليهم؟ : (أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ
__________________
(١) بور مصدر بمعنى الفساد او الهلاك.
(الفرقان ـ م ١٢)