إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً)؟ ف (لن) تحيل الرجوع و (أبدا) تؤكد الاستحالة ، والظن ما دام ظنا لا يستحيل ، فضلا عن تأكيد وتأبيد الاستحالة؟ وإنما يستبعد حسب بعد الظن.
نقول : انهم بكفرهم المتيقن الواقع أيقنوا عدم الرجوع ، ولم يكن موقعهم الا الظن ، إذ لم يملكوا برهانا لذلك اليقين ، فهم في حسابهم أيقنوا وفي حساب الله ظنوا كما (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) ف «لن» تستحيل البعث ، والزعم يستبعده دون استحالة ، ولكن زعمهم أصبح يقينا لهم ، دون ان يملكوا حجة إلا زعما وظنا ، وهكذا يعالج القرآن الواقعات المنحرفة ، في إشارات الى : كيف يجب ان تكون؟ وتنديدات بما هي دون دليل.
وواقع ظن المخلفين ـ السوء ـ كان بحيث يحيل انقلاب الرسول والمؤمنين الى أهليهم سالمين ، إذ قالوا بينهم وفي أنفسهم : يذهب الى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه وهزموهم ، يعنون الأحزاب وأحد ، ثم لم يحسبوا حسابا لوعد الله وقدرته على إنجازه لعباده المؤمنين ، وانما الخسارة الوقتية الشكلية هنا وهناك ، في الحرب السجال ، متعاملة مع خسار الايمان وبواره ، تجعلهم يحيلون انقلاب الرسول والمؤمنين الى أهليهم سالمين.
انهم لم يروا غير تلك الخسارة الحربية الشكلية ، ولم يفكروا في سواها (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) كما الأرض البور ميتة جرداء ، لا ماء فيها ولا كلاء ، كذلك قلوبهم بور جرداء ، لا تخصب إلا ظن السوء بالله وبالرسول.
وهكذا يكون دوما دور الكفار والمنافقين البور ، بحق المؤمنين النور ، ينظرون الى العدة الظاهرة وعدتها ، الى ما لها ومنا لها : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٣٠ : ٧) فيأخذون هم بالأحوط لهم ، فيبتعدون عن طريقهم المخوف ، المحفوف بالبلايا بالأشلاء الضحايا ، حبا للسلامة والامان ،