حملة ثانية على المخلفين تكشفهم ثانية وتفضحهم ، غيب مستقبل في هذه التصريحة التبكيت والتنديد بمن يعيشون نفاقا عارما لكي يعرفهم النبي والمؤمنون من ذي قبل ، فيأخذوا عنهم حذرهم : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ ..) بعد ما قالوه أولا من قولتهم المنافقة : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) في صلح الحديبية ، فثم إذا اتجه الرسول والمؤمنون الى خيبر ـ كذلك اثاقلوا الى الأرض ، ولمّا تم الفتح وانطلقوا الى مغانم خيبر ليأخذوها ـ انتبه المخلفون عن نومتهم وقالوا : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) ولكي نشارككم في أخذ الغنائم! وهم ـ لا يريدون اتباعا لهم إلا لامرين : ١ ـ أخذ الغنائم ٢ ـ تبديل كلام الله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) وترى ما هو كلام الله هنا؟ علّه قوله : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا ..) فهم قائلوه في كل حرب : حرب الصلح في الحديبية ، وحرب الفتح في خيبر ، وفتح الفتوح العنوة في مكة ، فهم دائبو الاعتذار هكذا ، حتى وفي اتباع المؤمنين لأخذ غنائم خيبر ، وان تمت الحرب ، فلعل جماعة من خيبر يترصدون بمن يأتيهم لأخذ الغنائم فينتقموا منهم.
فهم (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) ومن ثم قول ثان لله من قبل في وعده : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ)(٢٠) والكثيرة هي مغانم خيبر وفتح مكة وما يلحقها ، و «هذه» : هي مغانم خيبر ـ وهي خاصة بالمؤمنين ، فلو اتبعهم المنافقون وأخذوا منها كان ذلك تبديلا لكلام الله ، ولكن (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) وحتى في أخذ الغنيمة في راحة وطمأنينة ، فضلا عن المتابعة في الحروب الخطرة التي قد لا تكون فيها غنيمة! .. ولعل هناك قولا غير هذين أن لن يتبعوهم وإن لم يكن من القرآن.
فالقول (لَنْ تَتَّبِعُونا) يحيل اتباعهم هذا وذاك ، فلو كان رادعهم عن اتباعهم الرسول والمؤمنون ، لم يكن محالا ، فإنما هو ردع ذاتي لكفرهم ، وردع الهي ان